الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ } معنى ضرب: جعل، كقولهم: ضرب السلطان البعث على الناس، وضرب الجزية على أهل الذمّة أي جعل ذلك عليهم، ومنه قولهوَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } [البقرة: 61] والمثل حالة ثابتة تشبه بالأُولى في الذكر الذي صار كالعلم، وأصله الشبه، ومعنى الآية: جعل لي المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي.

{ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } حالها وصفتها التي بيّنت وشبّهتها بها، ثم بيّن ذلك فقال عزَّ من قائل { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قراءة العامة بالتاء، وروى زيد عن يعقوب يدعون بالياء { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } في صغره وقلّته لأنّها لا تقدر على ذلك { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } لخلقه، والذباب واحد وجمعها القليل أذبنة والكثير ذبّان، مثل غراب وأغربة وغربان { وَإِن يَسْلُبْهُمُ } يعني الأصنام، أخبر عنها بفعل ما يعقل، وقد مضت هذه المسألة، يقول: وإن يسلبهم { ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } مما عليهم { لاَّ } يقدرون أن { يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ }.

قال ابن عباس: الطالب الذباب والمطلوب الصنم، وذلك أن الكفّار كانوا يلطّخون أصنامهم بالعسل في كلّ سنة ثم يغلقون عليها أبواب البيوت فيدخل الذبّان في الكوى فيأكل ذلك العسل وينقيها منه فإذا رأوا ذلك قالوا: أكلت آلهتنا العسل.

الضحّاك: يعني العابد والمعبود.

ابن زيد وابن كيسان: كانوا يحلّون الأصنام باليواقيت واللآلي وأنواع الجواهر ويطيّبونها بألوان الطيب، فربما يسقط واحد منها أو يأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها، فالطالب على هذا التأويل الصنم والمطلوب الذباب والطائر.

{ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظّموا الله حقّ تعظيمه، ولا عرفوه حقّ معرفته ولا وصفوه حقّ صفته إذ أشركوا به مالا يمتنع من الذباب ولا ينتصف به.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * ٱللَّهُ يَصْطَفِي } يختار { مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } كجبرئيل وميكائيل وغيرهما { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } أيضاً رسلاً مثل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم، يقال: نزلت هذه الآية لمّا قال المشركونأَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } [القمر: 25] فأخبر أن الاختيار إليه، يختار من يشاء من خلقه.

{ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لقولهم { بَصِيرٌ } بمن يختاره لرسالته.

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني ما كان بين أيدي ملائكته ورسله قبل أن يخلقهم.

{ وَمَا خَلْفَهُمْ } ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم.

وقال الحسن: ما بين أيديهم ماعملوه، وما خلفهم ما هم عاملون ممّا لم يعملوه بعد.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا محمد بن يحيى قال: وفيما قرأت على عبد الله بن نافع، وحدّثني مطرف بن عبد الله عن مالك عن نافع أنّ رجلاً من أهل مصر أخبر عبد الله بن عمر أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثمَّ قال: انَّ هذه السورة فضلّت بسجدتين.

السابقالتالي
2 3