الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا } أي عملوا في إبطال آياتنا { مُعَاجِزِينَ } أي مغالبين مشاقّين قال ابن عباس، الأخفش: متأنّفين، قتادة: ظنّوا أنّهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم ولن يعجزوه.

وقرأ ابن كثير وأبو عمر: معجّزين بالتشديد أي مثبّطين الناس عن الإيمان، ومثله في سورة سبأ.

{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ }.

قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسّرين: لمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولّي قومه عنه وشقّ عليه ما رأى من مباعدتهم عمّا جاءهم به من الله سبحانه تمنّى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، فأحبّ يومئذ ألاّ يأتيه من الله تعالى شيء فينفروا عنه، وتمنى ذلك فأنزل الله سبحانه سورةوَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم: 1] فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغأَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] ألقى الشيطان على لسانه لمّا كان يحدث به نفسه ويتمناه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى.

فلما سمعت قريش ذلك فرحوا،ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلّها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلاّ سجد إلاّ الوليد بن المغيرة وأبو أُحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنّهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود، وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإذا جعل لها محمد نصيباً فنحن معه، فلمّا أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، وقلت ما لم يقل لك، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغهم سجود قريش، وقيل: قد أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبُّ إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان، فلمّا نزلت هذه الآية قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله، فغيّر ذلك وجاء بغيره، وكان ذانك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله (عليه السلام) قد وقعا في فم كلّ مشرك فازدادوا شرّاً إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم.

السابقالتالي
2 3