الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دينه وأمره، والخصم اسم شبيه بوصف المصدر فلذلك قال: اختصموا، نظيرهاوَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } [ص: 21].

واختلف المفسّرون في هذين الخصمين من هما؟ فروى قيس بن عبّاد أنّ أبا ذرّ الغفاري كان يقسم بالله سبحانه أُنزلت هذه الآية في ستّة نفر من قريش تبادروا يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وعبيدة بن الحارث، قال: وقال علي: إنّي لأوّل من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى، وإلى هذا القول ذهب هلال بن نساف وعطاء بن يسار. وقال ابن عباس: هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله وأقدم منكم كتاباً ونبيّنا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحقّ بالله، آمنّا بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنّا بنبيّكم وبما أنزل الله سبحانه من كتاب، فأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً، وكان ذلك خصومتهم في ربّهم.

وقال مجاهد وعطاء أبن أبي رباح وعاصم بن أبي النجود والكلبي: هم المؤمنون والكافرون كلّهم من أيّ ملّة كانوا.

وقال عكرمة: هما الجنة والنار اختصمتا فقالت النار: خلقني الله سبحانه وتعالى لعقوبته، وقالت الجنّة: خلقني الله عزّ وجلّ لرحمته، فقد قصّ الله عليك سبحانه من خبرهما ما تسمع، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو سعيد بن حمدون رحمه الله بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي قال: حدَّثنا محمد بن يحيى الذهلي وعبد الرَّحْمن بن بشر العبدي وأحمد بن يوسف السلمي قالوا: حدَّثنا عبد الرزاق بن همام الحميري قال: أخبرنا معمر بن راشد عن همام بن منبه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " تحاجّت الجنة والنار فقالت النار: أوثرتُ بالمتكبّرين المتجبّرين،وقالت الجنة: لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقاطهم، فقال الله سبحانه للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنتِ عذابي أُعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحد منكما ملؤها، فأما النار فإنّهم يُلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟ فلا تمتلئ حتى يضع الله سبحانه رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً. "

ثم بيّن مآل الخصمين وحال أهل الدارين فقال سبحانه وتعالى { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ }.

قال سعيد بن جبير: ثياب من نحاس من نار، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه.

{ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } الماء الحار.

السابقالتالي
2 3 4