الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } * { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ } توفيقه. القرظي: صلاحه، { مِن قَبْلُ } أي من قبل موسى وهارون.

قال المفسّرون: يعني هديناه صغيراً كما قال ليحيىوَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } [مريم: 12].

{ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } بأنّه أهل الهداية والنبوة.

{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ } والصور يعني الأصنام { ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } على عبادتها مقيمون.

{ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } فاقتدينا بهم.

{ قَالَ } إبراهيم { لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } بعبادتكم إيّاها.

{ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } يعنون أجادّ أنت فيما تقول أم لاعب؟

{ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ } خلقهّن { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ * وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } لأمكرنّ بها { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ }.

قال مجاهد وقتادة: إنّما قال إبراهيم هذا في سّر من قومه ولا يسمع ذلك إلاّ رجل واحد منهم، وهو الذي أفشاه عليه وقال: { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }.

قال السدّي: كان لهم في كلّ سنة مجمع وعيد، فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثمَّ عادوا إلى منازلهم، فلمّا كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم إبراهيم فلمّا كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إنّي سقيم يقول: أشتكي رجلي، فتواطؤوا رجله وهو صريع، فلمّا مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعف الناس { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى الآلهة فإذا هنَّ في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، كلّ صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاماً فوضعوه بين يدي الأصنام، قالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلمّا نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء: ألا تأكلون؟ فلمّا لم يجبه أحد قال: ما لكم لا تنطقون؟فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [الصافات: 93]، وجعل يكسرهنّ بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلاّ الصنم الأكبر علّق الفأس في عنقه ثم خرج، فذلك قوله سبحانه { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً }.

قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بكسر الجيم أي كسراً وقطعاً جمع جذيذ وهو الهشيم، مثل خفيف وخفاف وكريم وكرام، وقرأ الباقون: بضمّه أي الحطام والدقاق { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي عظيماً للآلهة فإنّه لم يكسره ووضع الفأس على عنقه { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } فيتذكّرون ويعلمون ضعفها وعجزها، وقيل: لعلّهم إليه يرجعون فيسألونه، فلمّا جاء القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ * قَالُواْ } يعني الذين سمعوا إبراهيم يقول: تالله لأكيدنّ أصنامكم { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } يعيبهم ويسبّهم ويستهزئ بهم { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } هو الذي صنع هذا، فبلغ ذلك نمرود الجبّار وأشراف قومه فقالوا { فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ } يراد بأعين الناس { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } عليه أنّه هو الذي فعل ذلك، وكرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة، قاله قتادة والسدّي.

السابقالتالي
2 3 4 5