الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

{ أَوَلَمْ يَرَ } قرأه العامّة بالواو، وقر ابن كثير ألم وكذلك هو في مصاحفهم. «ير» يعلم { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا }.

قال ابن عباس والضحاك وعطاء وقتادة: يعني كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله سبحانه بينهما بالهواء.

قال كعب: خلق الله سبحانه السماوات والأرضين بعضها على بعض ثمّ خلق ريحاً توسّطتها ففتحها بها.

وقال مجاهد وأبو صالح والسدُّي: كانت السماوات مرتقة طبقة واحدة، ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرضون كانت مرتقة طبقاً واحداً ففتقها فجعلها سبع أرضين.

عكرمة وعطية وابن زيد: كانت السماء رتقاً لا تمطر، والأرض رتقاً لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، نظيره قوله سبحانهوَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } [الطارق: 11ـ12] وأصل الرتق السدّ ومنه قيل للمرأة التي فرجها ملتحم رتقاً، وأصل الفتق الفتح، وإنّما وحّد الرتق وهو من نعت السموات والأرض لأنّه مصدر، وضع موضع الاسم مثل الزور والصوم والفطر والعدل ونحوها.

{ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } يعني أنّ كلّ شيء حىّ فإنّه خُلق من الماء، نظيره قوله سبحانهوَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } [النور: 45].

{ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الرواسي { فِجَاجاً } طرقاً ومسالك واحدها فج ثمَّ، فسّر فقال { سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } من أن تسقط، دليله قوله سبحانهوَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [الحج: 65] وقيل: محفوظاً من الشياطين، دليله قوله سبحانهوَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 17].

{ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } فلا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون بها يعني الكفار.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يجرون ويسيرون، والفلك مدار النجوم الذي يضمّها، ومنه فلكة المغزل.

قال مجاهد: كهيئة حديدة الرّحا، الضحّاك: فلكها: مجراها وسرعة سيرها.

وقال آخرون: الفلك موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه.

وقال بعضهم: الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب، وكلّ كوكب يجري في السّماء الذي قدّر فيه وهو بمعنى قول قتادة.

{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } دوام البقاء في الدنيا { أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } أي أفهم الخالدون؟

كقول الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع   فقلت وأنكرت الوجوه هُمُ هُمُ
أي أهمُ؟ نزلت هذه الآية حين قالوا: نتربّص بمحمد ريب المنون.

{ كُلُّ نَفْسٍ } منفوسة { ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم } نختبركم { بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبّون، وكيف صبركم فيما تكرهون.

{ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ } ما يتّخذونك { إِلاَّ هُزُواً } سخرّياً ويقول بعضهم لبعض { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } بسوء ويعيبها، قال عنترة:
لا تذكري فرسي وما أطعمته   فيكون جلدك مثل جلد الأجرب

السابقالتالي
2 3