الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } * { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } * { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ } قيل: اللام بمعنى من أي اقترب من الناس { حِسَابُهُمْ } محاسبة الله إيّاهم على أعمالهم { وَهُمْ } واو الحال { فِي غَفْلَةٍ } عنه { مُّعْرِضُونَ } عن التفكير فيه والتأهّب له، نزلت في منكري البعث.

{ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } يعني ما يحدث الله تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم ويعظهم به { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } لا يعتبرون ولا يتّعظون.

قال مقاتل: يحدث الله الأمر بعد الأمر، وقال الحسن بن الفضل: الذكر هاهنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلّ عليه قوله في سياق الآية { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } ولو أراد الذكر بالقرآن لقال: هل هذا إلاّ أساطير الأوّلين، ودليل هذا التأويل أيضاً قوله:وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [القلم: 51-52] يعني محمداً (عليه السلام).

{ لاَهِيَةً } ساهية { قُلُوبُهُمْ } معرضة عن ذكر الله، من قول العرب: لهيت عن الشيء إذا تركته، ولاهية نعت تقدّم الاسم ومن حقّ النعت أن يتبع الاسم في جميع الاعراب، فإذا تقدّم النعت الاسم فله حالتان: فصل ووصل، فحاله في الفصل النصب كقوله سبحانهخُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ } [القمر: 7]وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [الإنسان: 14] و { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ }. قال الشاعر:
لعزّة موحشاً طلال   يلوح كأنّه خلل
أراد: طلل موحش، وحاله في الوصل حال ما قبله من الإعراب كقوله تعالىرَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } [النساء: 75] قال ذو الرمّة:
قد أعسف النازح المجهول معسفة   في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم
أراد معسفه مجهول وإنّما نصب لانتصاب النازح.

وقال النابغة:
من وحش وجرة موشّي أكارعه   طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
أراد أنّ أكارعه مَوشيّة.

{ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } كان حقّه وأسرّ لأنه فعل تقدّم الاسم فاختلف النحاة في وجهه، فقال الفرّاء: الذين ظلموا في محلّ الخفض على أنّه تابع للناس في قوله { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ }.

وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير أراد والذين ظلموا أسرّوا النجوى.

وقال قطرب: وهذا سائغ في كلام العرب وحُكي عن بعضهم أنه قال: سمعت بعض العرب يقول: أكلوني البراغيث قال الله سبحانهثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [المائدة: 71]. وقال الشاعر:
بك نال النصال دون المساعي   فاهتدين النبال للأغراض
ويحتمل أن يكون محل الذين رفعاً على الابتداء، ويكون معناه وأسَروّا النّجوى، ثمّ قال هم الذين ظلموا.

{ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أنّه سِحر { قَالَ رَبِّي } قرأ أكثر أهل الكوفة (قال) على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون «قل» على الأمر له { يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالهم { ٱلْعَلِيمُ } بأفعالهم { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } أي أباطليها وأهاويلها { بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } يعني أنّ المشركين اقتسموا القول فيه: فقال بعضهم: أضغاث أحلام، وقال بعضهم: بل افتراه، وقال بعضهم: بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم به شعر، لأنَّ بل تأتي لتدارك شيء ونفي آخر.

السابقالتالي
2