الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } * { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } * { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } * { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } * { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } * { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً }

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } أي سر بهم أول الليل من أرض مصر.

{ فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } يابساً ليس فيه ماء ولا طين { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً } من فرعون خلفك { وَلاَ تَخْشَىٰ } غرقاً من البحر أمامك، وقرأ حمزة: لا تخف بالجزم على النهي، الباقون: بالألف على النفي، واختاره أبو عبيد لقوله: ولا تخشى رفعاً ودليل قراءة حمزة قوله: «يولوكم الأدبار ثمَّ لا تنصرون» فاستأنف، قال الفرّاء: ولو نوى حمزه بقوله: ولا تخشى الجزم، لكان صواباً. وقال الشاعر:
هجوت زماناً ثم ملت معتذراً   من سب زمان لم يهجُو ولم يذع
وقال آخر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي   بما لاقت لبوت بني زياد
{ فَأَتْبَعَهُمْ } فلحقهم { فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ } أصابهم { مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } أي وما هداهم إلى مراشدهم، وهذا جواب قول فرعون: ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم ألاّ سبيل الرشاد، فكذّبه الله تعالى فقال: بل أضلهم وما هداهم.

قال وهب: استعار بنو إسرائيل حلياً كثيراً من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل، وكانوا سبعين ألفاً فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالواإِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] فقال موسى:كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] فلمّا قربوا قالوا: يا موسى أين نمضي؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقاً يابسة، لكل سبط طريق، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض.

فلمّا اتى فرعون الساحل وجد موسى وبني إسرائيل قد عبروا فقال للقبط: قد سحر البحر فمرّ، فقالوا له: إن كنت ربّاً فادخل البحر كما دخل، فجاء جبرئيل على رمكة وديق، وكان فرعون على حصان، وهو الذكر من الأفراس، فأقحم جبرئيل الرمكة في الماء، فلم يتمالك حصان فرعون واقتحم البحر على أثرها ودخل القبط عن آخرهم، فلمّا تلجّجوا أوحى الله سبحانه إلى البحر أن غرّقهم، فعلاهم الماء وغرّقهم.

قال كعب: فعرف السامري فرس جبرئيل، فحمل من أثره تراباً وألقاه في العجل حين اتّخذه.

{ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } فرعون { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } وقد مرَّ ذكره { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } هذه قراءة العامة بالنون والألف على التعظيم، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: أنجيتكم ووعدتكم ورزقتكم من غير ألف على التوحيد والتفريد { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ } حلال { مَا رَزَقْنَاكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4