الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } * { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } * { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } * { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } * { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } * { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } * { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ }

{ وَهَلْ أَتَاكَ } يا محمد { حَدِيثُ مُوسَىٰ } قال أهل المعاني: هو استفهام اثبات مجازه: أليس قد أتاك؟. وقال بعضهم: معناه: وقد أتاك، وقال: لم يكن قد أتاه ثم أخبره.

{ إِذْ رَأَى نَاراً } ليلة الجمعة، وقال وهب بن منّبه: استأذن موسى شعيباً في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله، فولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية مثلجة وقد جاد عن الطريق، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة، فبينا هو في مزاولة ذلك أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق { فَقَالَ لأَهْلِهِ } لامرأته { ٱمْكُثُوۤاْ } أقيموا مكانكم { إِنِّيۤ آنَسْتُ } أبصرتُ { نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } يعني شعلة من النار، والقبس: ما اقتبس من خشب أو قصب أو غير ذلك { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } يعني من يدلّني على الطريق { فَلَمَّآ أَتَاهَا } رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنّها نار بيضاء تتقدّم، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نوراً عظيما فخاف وتعّجب، فأُلقيت عليه السكينة ثمّ { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } وإنّما كرّر الكناية لتوكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة، ونظيره قوله للرسول عليه السلاموَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } [الحجر: 89].

{ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } وكان السبب في أمره بخلع نعليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى العبيدي قال: حدَّثنا أحمد بن نجدة قال: حدَّثنا الحمّاني قال: حدَّثنا عيسى بن يونس عن حميد بن عبد الله عن عبد الله بن الحرث العنبسي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } قال: كانتا من جلد حمار ميّت، وفي بعض الأخبار: غير مدبوغ، وقال الحسن: ما بال خلع النعلين في الصلاة وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه؟ وإنّما أُمر موسى عليه السلام أن يخلع نعليه إنّهما كانتا من جلد حمار، وقال أبو الأحوص: أتى عبد الله أبا موسى في داره فأُقيمت الصلاة فقال لعبد الله تقدّم، فقال له عبد الله: تقدّم أنت في دارك فتقدّم فنزع نعليه، فقال له عبد الله: أبالواد المقدّس أنت؟.

وقال عكرمة ومجاهد: إنّما قال له: اخلع نعليك كي تمسّ راحة قدميك الأرض الطيّبة وينالك بركتها لأنّها قدّست مرّتين.

وقال بعضهم: أُمر بذلك لأنّ الحفوة من أمارات التواضع، وكذلك فعل السّلف حين طافوا بالبيت.

قال سعيد بن جبير: قيل له: طأ الأرض حافياً، كيما يدخل كعبه من بركة الوادي.

وقال أهل الاشارة: معناه: فرِّغ قلبك من شغل الأهل والولد.

قالوا: وكذلك هو في التعبير من رأى عليه نعلين تزوّج.

فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } المطهّر { طُوًى } اسم الوادي، وقال الضحاك: مستدير عميق مثل الطوى في استدارته، وقيل: اراد به إنك تطوي الوادي، وقيل: هو الليل، يقال: أتيتك طوى من الليل، وقيل: طُويَت عليه البركة طيّاً، وقرأ عكرمة: طوى بكسر الطاء وهما لغتان، وقرأ أهل الكوفة والشام: طِوَىً بالتنوين وإلاّ جرّاً لتذكيره وتحقيقه، الباقون من غير تنوين، قال: لأنّه معدول عن طاو أو مطوىّ، فلّما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه مثل عمر وزفر وقثم.

السابقالتالي
2 3