الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } * { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

{ إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } لا العجل { وَسِعَ } ملأ { كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } فعلمه ولم يضق عليه، يقال: فلان يسع لهذا الأمر إذا أطاقه وقوي عليه { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } من الأُمور { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } يعني القرآن { مَّنْ أَعْرَضَ } أدبر { عَنْهُ } فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } إثماً عظيماً وحملاً ثقيلاً { خَالِدِينَ فِيهِ } لا يكفره شيء.

{ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } قرأهُ العامة بياء مضمومة على غير تسمية الفاعل، وقرأ أبو عمرو بنون مفتوحة لقوله { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } والعرب تتشاءم بزرقة العيون. قال الشاعر يهجو رجلاً:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر   كما كل ضبي من اللؤم أزرق
وقيل: أراد عُمياً { يَتَخَافَتُونَ } يتسارُّون فيما { بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ } ما مكثتم في الدنيا، وقيل: في القبور { إِلاَّ عَشْراً } أي عشر ليال.

قال الله سبحانه { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي أوفاهم عقلاً وأصوبهم رأياً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } قصر ذلك في أعينهم في جنب ما يستقبلهم من أهوال يوم القيامة.

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا } يقلعها من أماكنها ويطرحها في البحار حتى تستوي.

فإن قيل: ما العلّة الجالبة للفاء التي في قوله فقل خلافاً لأخواتها في القرآن؟

فالجواب أنّ تلك أسئلة تقدّمت سألوا عنها رسول الله فجاء الجواب عقيب السؤال، وهذا سؤال لم يسألوه بعد وقد علم الله سبحانه أنّهم سائلوه عنه فأجاب قبل السؤال، ومجازها: وإن سألوك عن الجبال فقل ينسفها { رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } أرضاً ملساء لا نبات فيها.

{ لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً }.

قال ابن عباس: العوج: الأودة، والأمت الروا بي والنشوز.

مجاهد: العوج: الانخفاض، والأمت: الارتفاع.

ابن زيد: الأمت: التفاوت والتعادي.

ويقول العرب: ملأت القربة ماءً لا أمت فيه أي لا استرخاء.

يمان: الأمت: الشقوق في الأرض { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } الذي يدعوهم إلى موقف القيامة وهو إسرافيل { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لدعاته، وقال أكثر العلماء: هو من المقلوب أي لا حرج لهم عن دعاته، لا يزيغون عنه، بل يتّبعونه سراعاً.

{ وَخَشَعَتِ } وسكنت { ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } فوصف الأصوات بالخشوع والمعنى لأهلها { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } يعني وطْء الأقدام ونقلها إلى المحشر، وأصله الصوت الخفي، يقال: همس فلان بحديثه إذا أسرّه وأخفاه، قال الراجز:
وهنّ يمشين بنا هميساً   إن تصدق الطير ننك لميسا
يعني بالهمس صوت أخفاف الإبل.

وقال مجاهد: هو تخافت الكلام وخفض الصوت.

{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الشفاعة { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أي ورضي قوله.

السابقالتالي
2