الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ } الآية

قال المفسّرون: سبب نزول هذه الآية: إنّ اليهود أدعوا دعاوى باطلة، حكاها الله تعالى عنهم في كتابه كقوله تعالىوَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80].

وقوله:وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111].

وقوله:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] فكذبهم الله تعالى، وألزمهم الحجة. فقال: قل يا محمّد إن كانت لكم الدّار الآخرة عند الله.

{ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ } خاصّة؛ لقوله تعالىخَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا } [الأنعام: 139]، قولهخَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الأعراف: 32]، قولهخَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأحزاب: 50] أي خاصّة من دون النّاس.

{ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } أي فأريدو وحَلّوه لأنّ من علم أنّ الجنّة مآبه حنَّ إليها ولا سبيل إلى دخولها إلاّ بعد الموت فاستعجلوه بالتمني.

{ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في قولكم محقين في دعواكم، وقيل في قوله تعالى { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } أيّ أدعوا بالموت على الفرقة الكاذبة.

روى ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لو تمنّوا الموت لغصّ كل إنسان منهم بريقه، وما بقى على وجه الأرض يهودي إلاّ مات ".

فقال الله تعالى { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } لعلمهم إنّهم في دعواهم كاذبون.

{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } يعني اليهود. هذا من أعجاز القرآن لأنّهُ تحداهم ثمّ أخبر أنّهم لا يفعلون بعد أن قال لهم هذه المقالة فكان على ما أخبر.

{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ } اللام لام القسم والنون تأكيد القسم تقديره: والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود { أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } وفي مصحف أبُيّ على الحياة.

{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } قيل إنّه متصل بالكلام الأوّل.

معناه وأحرص من الذين اشركوا. قال الفراء: وهذا كما يُقال هو أسخى النّاس ومن حاتم: أي وأسخى من حاتم.

وقيل: هو ابتداء وتمام الكلام عند قوله: على حياتهم ابتدأ بواو الاستئناف وأضمر (ليودّ) اسماً تقديره: ومن الذين اشركوا من { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } كقول ذو الرّمة:
فظلوا ومنهم دمعهُ سابق له   وآخر يذري دمعة العين بالهمل
أراد ومنهم من دمعه سابق، وأراد بالذين أشركوا المجوس.

{ يَوَدُّ } يريد ويتمنى.

{ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ } تقديره تعمير ألف.

{ أَلْفَ سَنَةٍ } قال المفسّرون: هو تحيّة المجوس فيما بينهم عشر ألف سنة وكلمة ألف نيروز ومهرجان.

قال الله تعالى: { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } من النّار.

{ أَن يُعَمَّرَ } أي تعميره: زحزحته فزحزح: أي بعدّته فتباعد يكون لازماً ومتعدياً. قال ذو الرُّمة في المتعدي:
يا قابض الرّوح من نفسي إذا احتضرت   وغافر الذّنب زحزحني عن النّار
وقال الراجز، فى اللازم: خليلي ما بال الدجى لا يزحزح وما بال ضوء الصبح لا يتّوضح. { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } الآية

قال ابن عبّاس: " إن حبراً من أحبار اليهود يُقال له عبد الله بن صوريا كان قد حاج النبيّ صلى الله عليه وسلم وسأله عن أشياء. فلما اتجهت الحُجّة عليه قال: أيّ ملك يأتيك من السّماء؟

قال: " جبرئيل ولم يُبعث الكتاب لأنبياء قط إلاّ وهو وليه ". قال: ذلك عدُونا من الملائكة ولو كان ميكائيل مكانه لآمنّا بك؛ لأنّ جبرئيل ينزل بالعذاب والقتال والشقوة وإنّه عادانا مراراً كثيرة، وكان أشدُ ذلك علينا أنّ الله تعالى أنزله على نبينا عليه السلام إنّ بيت المقدس سيُخرب على يد رجل يقال له: بخت نصّر، وأخبرنا بالحين الذي يُخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلب بخت نصّر ليقتله فانطلق يطلبه حتّى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة. فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل عليه السلام وقال لصاحبنا: إنّ كان ربكم هو الذي أذن في هلاككم فلن تسلّط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله. فصدقه صاحبنا ورجع عليه السلام: فكبر بخت نصّر وقوي وغزانا وخرّب بيت المقدّس؛ فلهذا نتخذه عدواً. فأنزل الله تعالى هذه الآية ".


السابقالتالي
2 3