الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا } أعطينا.

{ مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } التوراة جملة واحدة.

{ وَقَفَّيْنَا } أردفنا واتبعنا.

{ مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } رسولاً بعد رسول. يُقال: مضى أثرهُ وقفا غيره؛ في التعدية وهو مأخوذ من قفا الإنسان قال اللهوَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36]، وقال أُمية بن الصّلت:
قالت لأخت له قُصيه عن جنب   وكيف تقفو ولا سهل ولا جدد
{ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } العلامات الواضحات والدلالات اللايحات وهي التي ذكرها الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران والمائدة.

{ وَأَيَّدْنَاهُ } قويناه وأعناه من الآد والأيد، مجاهد: أيدناه بالمد وهما لغتان مثل كرّم وأكرم.

{ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } خفف ابن كثير القدس في كل القرآن، وثقله الآخرون، وهما لغتان مثل الرّعب والسّحت ونحوهما، واختلفوا في روح القدس فقال الربيع وعكرمة: هو الرّوح الذي نفخ فيه إضافة إلى نفسه؛ تكريماً وتخصيصاً نحو بيت الله، وناقة الله وعبد الله، والقدس: هو الله عزّ وجلّ يدلّ عليه قوله تعالىوَرُوحٌ مِّنْهُ } [النساء: 171] وقولهفَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12].

والآخرون: أرادوا بالقدس الطهارة يعني الرّوح الطاهر سمّى روحه قدساً؛ لأنّه لم يتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث إنّما كان أمراً من الله تعالى.

السّدي والضّحاك وقتادة وكعب: الروح القدس: جبرئيل قال الحسن: القدس: هو الله وروحه جبرئيل.

السّدي: القدس: البركة وقد عظّم الله بركة جبرئيل إذ أنزل الله عامة وحيه إلى أنبيائه على لسانه وتأييد عيسى عليه السلام بجبرئيل هو إنّه كان قرينه يسير معه حيثما شاء والآخر إنّه صعد به إلى السّماء، ودليل هذا التأويل قوله تعالىقُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 102].

وقال ابن عبّاس وسعيد بن جبير وعبيد بن عمير: هو اسم الله الأعظم وبه كان يُحيي الموتى ويُري النّاس تلك العجائب.

وقال ابن زيد: هو الأنجيل جُعل له روحاً كما جعل القرآن لمحمّد صلى الله عليه وسلم روحاً، يدلّ عليه قوله تعالىوَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52] فلمّا سمعت اليهود بذكر عيسى عليه السلام قالوا: يا محمّد لا مثل عيسى كما زعمت ولا كما يقصّ علينا من الأنبياء(عليهم السلام) قالوا: فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً.

فأنزل الله عزّ وجلّ { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ } يا معشر اليهود { رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ } لا تحب ولا توافق.

{ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ } تكبّرتم وتعظمتم عن الأيمان به.

{ فَفَرِيقاً } طائفة سُميّت بذلك لأنّها فرقت من الحملة.

{ كَذَّبْتُمْ } عيسى ومحمّداً.

{ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } أيّ قتلتم زكريا ويحيى وسائر من قُتلوا من الأنبياء.

{ وَقَالُواْ } يعني اليهود { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } قرأ ابن محيصن بضم اللام، وقرأ الباقون بجزمه. فمن خففه فهو جمع الأغلف مثل أصفر وصُفر وأحمر وحُمر وهو الذي عليه غطاء وغشاء بمنزلة الأغلف غير المختون فالأغلف والأعلف واحد ومعناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول يا محمّد.

السابقالتالي
2 3