الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } يعني يا هؤلاء فحذف النّداء للإستغناء بدلالة الكلام عليه كقوله:ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا } [الإسراء: 3] فهؤلاء للتنبيه ومبني على الكسرة مثل أنتم { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } قرآءة العامّة بالتخفيف من القتل.

وقرأ الحسن: تقتلون بالتثقيل من التقتيل.

{ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ } قراءة العامّة وهم أهل الحجاز والشّام وأبو عمرو ويعقوب: تظاهرون بتشديد الظاء، واختاره أبو حاتم ومعناه تتظاهرون فأدغم التّاء في الظاء مثل: أثاقلتم وادّاركوا.

وقرأ عاصم والأعمش وحمزة وطلحة والحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء والكسائي: تظاهرون بتخفيف الظاء، واختاره أبو عبيد ووجه هذه القراءة: إنّهم حذفوا تّاء الفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقولهوَلاَ تَعَاوَنُواْ } [المائدة: 2] وقولهمَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [الصافات: 25].

وقال الشّاعر:
تعاطسون جميعاً حول داركم   فكلّكم يا بني حمّان مزكوم.
وقرأ أُبي ومجاهد: تظهّرون مشدداً بغير ألف أي تتظهّرون [........] جميعاً تعاونون، والظهر: العون سمّي بذلك لإسناد ظهره إلى ظهر صاحبه.

وقال الشّاعر:
تكثّر من الاخوان ما اسطعت   [.....] اذا إستنجدتهم فظهيرُ
وما بكثير ألف خل وصاحب   وانّ عدوّاً واحداً لكثيرُ
{ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } بالمعصية والظلم.

{ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ } قرأ عبد الرحمن السّلمي ومجاهد وابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل والجحدري وأبو عمرو وابن عامر: (أُسارى تفدوهم) بغير ألف، وقرأ الحسن: (أسرى) بغير ألف (تفادوهم) بألالف، وقرأ النخعي وطلحة والأعمش ويحيى بن رئاب وحمزة وعيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق: (أسرى تفدوهم) كلاهما بغير ألف وهي إختيار أبي عبيدة.

وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وقتادة والكسائي ويعقوب: (أُسارى تفادوهم) كلاهما بالألف، واختاره أبو حاتم.

فالأسرى: جمع أسير مثل جريح وجرحى، ومريض ومرضى، وصريع وصرعى، والأسارى: جمع أسير أيضاً مثل كُسالى وسُكارى، ويجوز أن يكون جمع أسرى نحو قولك: أمرأة سكرى ونساءٌ سُكارى، ولم يفرق بينهما أحد من العلماء الأثبات إلاّ أبو عمرو.

روى أبو هشام عن جبير الجعفي عن أبي عمرو قال: ما أُسر فهو أُسارى ومالم يؤسر فهو أُسرى، وروي عنه من وجه آخر قال: ما صار في أيديهم فهم أُسارى، وما جاء مستأسراً فهو أسرى.

عن أبي بكر النقاش قال: سمعت أحمد بن يحيى ثعلب وقد قيل له هذا الكلام عن أبي عمرو فقال: هذا كلام المجانين. يعني لافرق بينهما.

وحُكي عن أبي سعيد الضرير إنّه قال: الأُسارى: هم المقيدّون المشدَّدون والأسرى: هم المأسورون غير المقيدين. فأما قولهم تفدوهم بالمال وتنقذوهم بفدية أو بشىء آخر، وتفادوهم: تبادلوهم اراد مفاداة الأسير بالأسير، وأسرى: في محل نصب على الحال.

فأما معنى الآية قال السّدي: إنّ الله عزّ وجلّ أخذ على بني إسرئيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم فأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه فاعتقوه.

السابقالتالي
2