الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } يعني: وقد قال، وقيل معناه: واذكر إذ قال ربّك، وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله.

و(إذ) و(إذا) حرفا توقيت، إلاّ أنّ (إذ) للماضي و(إذا) للمستقبل، وقد يوضع أحدهما موضع الآخر.

قال المبرّد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضياً نحو قوله:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ } [الأنفال: 30] وإذ يقول، يريد وإذ مكر وإذ قال، وإذا وإذ جاء مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله:فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } [النازعات: 34]فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } [عبس: 33]إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } [النصر: 1] أي يجيء، وقال الشاعر:
ثمّ جزاه الله عنا إذ جزا   جنّات عدن والعلا إلى العلا
أي يجزيه.

{ لِلْمَلاَئِكَةِ } الذين كانوا في الأرض، والملائكة: الرسل، واحدها ملك، وأصله: مالك، وجمعه: ملائكة، وهي من الملكة والمالكة والألوك الرسالة ويقال: ألكني الى فلان، أي كن رسولي إليه فقلبت، فقيل: ملاك. قال الشاعر:
فلست لأنسيّ لكن لملاك   تنزّل من جوّ السماء يصوب
ثمّ حذف الهمزة للخفّة وكثير استعماله فقيل: ملك.

قال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات علمه.

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } أي بدلا منكم ورافعكم إليّ، سُمّي (خليفة) لأنه يخلف الذاهب ويجيء بعده، فالخليفة مَن يتولى إمضاء الأمر عن الآمر، وقرأ [زيد بن علي]: (خليفة) بالقاف.

قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجنّ الأرض، فعبدوا دهراً طويلا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة يُقال لهم: الجن، رأسهم عدو الله إبليس وهم خُزّان الجنان اشتق لهم اسم من الجنّة فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجنّ عن وجهها فالحقوهم بشعوب الجبال، وجزائر البحر، وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة، وأحبّوا البقاء في الأرض لذلك، وأعطى الله إبليس مُلك الأرض ومُلك سماء الدنيا وخزانة الجنان، فكان يعبد الله تارةً في الأرض، وتارةً في السماء، وتارة في الجنة.

فلما رأى ذلك دخله الكبر والعُجُب، وقال في نفسه: أعطاني الله هذا الملك إلاّ لأني أكرم الملائكة عليه، وأعظمهم منزلةً لديه؛ فلما ظهر الكبر جاء العزل، فقال الله له ولجنده: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } فلما قال لهم ذلك كرهوا؛ لأنّهم كانوا أهون في الملائكة عبادة، ولأنّ العزل شديد.

{ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } بالمعاصي. { وَيَسْفِكُ } يصبّ { ٱلدِّمَآءَ } بغير حق.

فإن قيل: كيف علموا ذلك وهو غيب؟

والجواب عنه ما قال السّدي: لما قال الله لهم ذلك، قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟ قال: تكون له ذرية، يفسدون في الأرض [ويتحاسدون] ويقتل بعضهم بعضاً. قالوا عند ذلك: { أَتَجْعَلُ فِيهَا } ومعناه: فقالوا، فحذف فاء التنسيق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8