{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } هذه الآية نزلت في اليهود، وذلك أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العنكبوت والذباب فقال:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } [الحج: 73] الآية. وقال:{ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ } [العنكبوت: 41] الآية، ضحكت اليهود وقالوا: ما هذا الكلام وماذا أراد الله بذكر هذه الأشياء الخبيثة في كتابه وما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } أي لا يترك ولا يمنعه الحياء أن يضرب مثلا أن تصف للحق شبهاً. { مَّا بَعُوضَةً }. (ما) صلة، وبعوضة نصب يدلّ على المثل. { فَمَا فَوْقَهَا }: ابن عباس يعني الذباب والعنكبوت. وقال أبو عبيدة: يعني فما دونها. { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بمحمد والقرآن { فَيَعْلَمُونَ } يعني أنّ هذا المثل هو { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } الصدق الصحيح. { مِن رَّبِّهِمْ }. { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. { فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً }: أي بهذا المثل. فلمّا حذف الألف واللام نصب على الحال والقطع والتمام، كقوله:{ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [النحل: 52]. فأجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً } من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون. { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ } الكافرين، وأصل الفسق: الخروج، قال الله تعالى:{ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] أي خرج. تقول العرب: فسقت الرّطبة عن القشر، أي خرجت. ثمّ وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ } أي يتركون ويخالفون، وأصل النقض: الكسر. { عَهْدَ ٱللَّهِ } أمره الذي عَهِد إليهم يوم الميثاق بقوله تعالى:{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وما عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم [وضمّنه] نعته وصفته. { مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } توكيده وتشديده، وهو مفعال من الوثيقة. { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } يعني الأرحام، وقيل: هو الإيمان بجميع الرّسل والكتب، وهو نوع من الصّلة؛ لأنهم قالوا:{ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [النساء: 150] فقطعوا، وقال المؤمنون: { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة: 285] فوصلوا. { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }: أي المغبونون بالعقوبة وفوت المثوبة، ثمّ قال: لمشركي مكة على التعجّب: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ } واو الحال { أَمْوَاتاً } نطفاً في أصلاب آبائكم { فَأَحْيَاكُمْ } في الأرحام في الدنيا { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم. { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } للبعث. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تأتون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. وقرأ يعقوب: ترجعون، وبيانه بفتح الأول وكسر الجيم جعل الفعل لهم. { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ } لأجلكم. { مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي قصد وعمد الى خلق السماء. { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } أي خلق سبع سماوات مستويات بلا فطور ولا شطور ولا عمد تحتها ولا علامة فوقها. { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }: عالم.