{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً }. قرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد: كتاباً، وقالوا: ربّما وجد الكاتب ولم يجد المداد ولا الصحيفة، وقالوا: لم تكن [قبيلة] من العرب إلاّ كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القلم والدواة. وقرأ الضحاك: كُتّاباً على جمع الكاتب. وقرأ الباقون: كاتباً على الواحد وهو الأنسب مع المصحف. { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ }. قرأ ابن عباس وإبراهيم وزر بن حبيش ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: فرهن بضم الراء والهاء. وقرأ عكرمة والمنهال وعبد الوارث: فرُهن بضم الراء وجزم الهاء، وقرأ الباقون: فرهان وهو جمع الرهن، ذلك [نحو] فعل وفعال، وحبل وحبال وكبش وكباش، وكعب وكعّاب. والرهن جمع الرهان: جمع الجمع، قاله الفراء والكسائي. وقال غيرهما وأبو عبيدة: هو جمع الرهن. قالوا: ولم نجد فعلاً يجمع على فُعَل إلاّ ثمانية أحرف: خَلق وخُلق، وسَقف وسُقف، وقَلب وقُلب، [وجَد وجُد بمعنى الحظ، وثط وثُط، وورد ووُرد،] ونَسر ونُسر. ورَهن ورهن. قال الأخطل وعمرو بن أبي عوف: [...] به حتّى يغادره العقبان والنسُر. وأنشد الفراء:
حتّى إذا بلّت حلاقيم الحلق
أهوى لأدنى فقرة على شفق
وقال أبو عمرو: وإنّما قرأنا (فرُهُن) ليكون قرفاً [بينها وبين] رهان الخيل، وأنشد لقعنب ابن أم الصاحب:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن
وغلّقت عندها من قلبك الرهن
أي وحب لها. والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كُتبّ وكتب ورسلّ ورسل. ومعنى الآية: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً الآن للكتابة فارتهنوا ممن تداينونه رهوناً ليكون وثيقة لكم بأموالكم. وأجمعوا: إن الرهن لا يصح إلاّ بالقبض، وقال مجاهد: ليس الرهن إلاّ في السفر عند عدم الكاتب. وأجاز غيره في جميع الأحوال. ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهوديّ. { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً }. مدني. حرف أُبيّ، { فَإِنْ أَمِنَ }. يعني: فإن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئاً لثقته وحسن ظنّه { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ }. أفتعل من الأمانة، وهي الثقة كتبت همزتها واواً لاضمام ماقبلها { أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }. في أداء الحق. ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال: { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ }. إذا دُعيتم إلى إقامتها، وقرأ السلمي: ولا يكتموا بالياء ومثله يعملون. ثم ذكر وعيد كتمان الشهادة فقال عزّ مَنْ قائل: { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }. فاجر قلبه وهو ابتداء وخبر. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: فإنّه أثم قلبه على وزن أفعل أي جعل قلبه أثماً. { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }. من بيان الشهادة وكتمانها. روى مكحول عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ كتم الشهادة إذا دُعي، كان كمن شهد بالزور ".