الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً }. قرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد: كتاباً، وقالوا: ربّما وجد الكاتب ولم يجد المداد ولا الصحيفة، وقالوا: لم تكن [قبيلة] من العرب إلاّ كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القلم والدواة.

وقرأ الضحاك: كُتّاباً على جمع الكاتب. وقرأ الباقون: كاتباً على الواحد وهو الأنسب مع المصحف.

{ فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ }. قرأ ابن عباس وإبراهيم وزر بن حبيش ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: فرهن بضم الراء والهاء. وقرأ عكرمة والمنهال وعبد الوارث: فرُهن بضم الراء وجزم الهاء، وقرأ الباقون: فرهان وهو جمع الرهن، ذلك [نحو] فعل وفعال، وحبل وحبال وكبش وكباش، وكعب وكعّاب.

والرهن جمع الرهان: جمع الجمع، قاله الفراء والكسائي. وقال غيرهما وأبو عبيدة: هو جمع الرهن. قالوا: ولم نجد فعلاً يجمع على فُعَل إلاّ ثمانية أحرف: خَلق وخُلق، وسَقف وسُقف، وقَلب وقُلب، [وجَد وجُد بمعنى الحظ، وثط وثُط، وورد ووُرد،] ونَسر ونُسر. ورَهن ورهن.

قال الأخطل وعمرو بن أبي عوف: [...] به حتّى يغادره العقبان والنسُر.

وأنشد الفراء:
حتّى إذا بلّت حلاقيم الحلق   أهوى لأدنى فقرة على شفق
وقال أبو عمرو: وإنّما قرأنا (فرُهُن) ليكون قرفاً [بينها وبين] رهان الخيل، وأنشد لقعنب ابن أم الصاحب:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن   وغلّقت عندها من قلبك الرهن
أي وحب لها.

والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كُتبّ وكتب ورسلّ ورسل.

ومعنى الآية: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً الآن للكتابة فارتهنوا ممن تداينونه رهوناً ليكون وثيقة لكم بأموالكم. وأجمعوا: إن الرهن لا يصح إلاّ بالقبض، وقال مجاهد: ليس الرهن إلاّ في السفر عند عدم الكاتب. وأجاز غيره في جميع الأحوال. ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهوديّ.

{ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً }. مدني. حرف أُبيّ، { فَإِنْ أَمِنَ }. يعني: فإن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئاً لثقته وحسن ظنّه { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ }. أفتعل من الأمانة، وهي الثقة كتبت همزتها واواً لاضمام ماقبلها { أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }. في أداء الحق.

ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال: { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ }. إذا دُعيتم إلى إقامتها، وقرأ السلمي: ولا يكتموا بالياء ومثله يعملون.

ثم ذكر وعيد كتمان الشهادة فقال عزّ مَنْ قائل: { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }. فاجر قلبه وهو ابتداء وخبر. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: فإنّه أثم قلبه على وزن أفعل أي جعل قلبه أثماً.

{ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }. من بيان الشهادة وكتمانها. روى مكحول عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ كتم الشهادة إذا دُعي، كان كمن شهد بالزور ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10