الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } قال الكلبي: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر، فجاءتها أُمّها قتيلة وجدّتها تسألانها وهما مشركتان، فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتّى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّكما لستما على ديني، فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أن تتصدّق عليهما فأعطتهما ووصلتهما.

قال الكلبي: ولها وجه آخر وذلك إنّ ناساً من المسلمين كانت لهم رضاع في اليهود وكانوا يُنفقونهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن يُنفقونهم وأرادوهم أن يُسلموا، فأستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فأعطوهم بعد نزولها.

وقال سعيد بن جبير: " كانوا يتصدّقون على فقراء أهل الذمّة، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتصدّقوا إلاّ على أهل دينكم " فأنزل الله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها. { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } وأراد بالهدى: التوفيق والتعريف؛ لأنّه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى البيان والدعوة.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً من أهل الذمّة يسأل على أبواب المسلمين فقال: ما أنصفناك يأخذوا منك الجزية ما دمت شاباً ثم ضيّعناك اليوم، فأمر أن تجرى علية قوته من بيت المال.

{ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } شرط وجزاء، والخير هاهنا المال { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } شرط كالأوّل لذلك حذف النون منها [في الموضعين].

{ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } جزاؤه، كأن معناه: يؤدّى إليكم، فكذلك أدخل إلى { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } لا تُظلمون من ثواب أعمالكم شيئاً.

وأعلم إنّ هذه الآية في صدقة التطوّع، أباح الله أن يتصدّق المسلم على المسلم والذمّي، فأمّا صدقة الفرض فلا يجوز إلاّ للمسلمين، وهما أهل السهمين الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة، ثم دلّهم على خير الصدقات وأفضل النفقات، فقال الله تعالى:

{ لِلْفُقَرَآءِ } واختلف العلماء في موضع هذا اللام، فقال بعضهم: هو مردود على موضع اللام من قوله { فَلأَنْفُسِكُمْ } كأنّه قال: وما تنفقوا من خير فللفقراء وإنّما تُنفقون لأنفسكم ثوابها راجع إليكم، فلمّا اعترض الكلام قوله { فَلأَنْفُسِكُمْ } وأدخل الفاء التي هي جواب الجزاء فيها، تركت أعادتها في قوله للفقراء إذ كان معنى الكلام مفهوما.

وقال بعضهم: خبر محذوف تقديره: للفقراء { ٱلَّذِينَ } صفتهم كذا، حق واجب، " وهم فقراء المهاجرين وكانوا نحواً من أربعمائة رجل ليس لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر جعلوا أنفسهم في المسجد يتعلّمون القرآن بالليل ويرضخون بالنهار [...] وكانوا يخرجون في كل سريه يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم [فخرج] يوماً على أصحاب الصفّة فرأى فقرهم وجهدهم فثبَّت قلوبهم فقال: أبشروا يا أصحاب الصفّة، فمن بقي من أمّتي على النعت الذي أنتم عليه راضياً بما فيه فإنّهم من رفقائي ".


السابقالتالي
2 3 4