الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } أي بالفقر فحذف الباء كقول الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به   فقد تركتك ذا مال وذا نسب
ويقال: وعدته خيراً ووعدته شرّاً، قال الله تعالى في الخير:وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } [الفتح: 20]

وفي الشر:ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الحج: 72] فإذا لم يذكر الخير والشرّ قلت في الخير: وعدته، وفي الشر: أوعدته وأنشد أبو عمرو:
وإنّي وإن أوعدته أو وعدته   لمخلف أيعادي ومنجز موعدي
والفقر: سوء الحال وقلّة اليد، وفيه لغتان: الفَقر والفُقر كالضَعف والضُعْف.

وأصله من كسر الفقار، يقال: رجل فقّار وفقير، أي مكسور فقار الظهر. قال الشاعر:
وإذا تلسنني ألسنتها   إنني لست بموهون فقر
ومعنى الآية: إنّ الشيطان يخوّفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك مالك فإن تصدّقت افتقرت. { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } أي البخل ومنع الزكاة.

وزعم مقاتل [بن حيان] أنّ كلّ فحشاء في القرآن فهو الزنا إلاّ في هذه الآية.

{ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم } أي يجازيكم، وعد الله إلهام وتنزيل، ووعد الشيطان وساوس وتخيّل.

{ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ } لذنوبكم { وَفَضْلاً } أي رزقاً وخلفاً { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } غني { عَلِيمٌ } يقال: مكتوب في التوراة: عبدي أنفق من رزقي، أبسط عليك من فضلي.

{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } قال السدي: هي النبوّة. ابن عباس وقتادة وأبو العالية: علم القرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخّره، وحلاله وحرامه.

الضحاك: القرآن والحكم فيه. وقال: في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة، وألف (آية) حلال وحرام، ولا يسع المؤمنين تركهن حتّى يتعلّموهن فيعلموهن، ولا تكونوا كأهل النهروان تأوّلوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنّما نزلت في أهل الكتاب، جهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وشهدوا عليناً بالضلال وانتهبوا الأموال.

فعليكم بعلم القرآن فإنّه مَنْ علم فيما أنزل لم يختلف في شيء منه نفع وأنتفع به. مجاهد: أما أنّها ليست بالنبوّة ولكنّها القرآن والعلم والفقه.

وروى ابن أبي نجيح: الإصابة في القول والفعل. ابن زيد: العقل. ابن المقفّع: كلّ قول أو فعل شهد العقل بصحّته. إبراهيم: الفهم. عطاء: المعرفة بالله عزّ وجلّ. ربيع: خشية الله. سهل بن عبد الله التستري: الحكمة: السنة.

وقال بعض أهل الاشارة: العلم الرباني. وقيل: إشارة بلا علّة، وقيل: إشهاد الحق تعالى على جميع الأحوال.

أبو عثمان: هو النور المفرّق بين الإلهام والوسواس. وقيل: تجريد السرّ لورود الإلهام. القاسم: أن يحكم عليك خاطر الحق ولا تحكم عليك شهوتك.

بندار بن الحسين وقد سئل عن قوله تعالى { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ }. فقال: سرعة الجواب مع إصابة الصواب. وقال أهل اللغة: كلّ فضل جرّك من قول أو فعل وهي أحكام الشيء المفضّل.

[........] الحكمة الرد إلى الصواب، وحكمة الدابة من ذلك لأنّها تردّها إلى القصد.

السابقالتالي
2 3