الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } الآية فيها إضمار واختصار تقديرها: مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم، فإن شئت قلت: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ }. { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ } زارع حبّة { أَنبَتَتْ } أخرجت { سَبْعَ سَنَابِلَ } جمع سنبلة، أدغمها أبو عمر وأبو [غزية] وحمزة والكسائي، وأظهرها الباقون. فمن أدغم فلأن التاء والسين مهموزتان، ألا ترى أنهما متعاقبان. أنشد أبو عمرو:
يالعن الله بني السعلاة   عمرو بن ميمون لئام النات
أراد لئام الناس فحوّل السين تاء. ومن أبرز فلأنهما كلمتان وهو الأصل واللغة الفاشية.

{ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } أبو جعفر والأعمش: يتركان خمس مائة ومائة، حيث كانت استخفافاً.

وقرأ الباقون بالمد.

فإن قلت: هل رأيت سنبلة فيها مائة حبة، أو هل بلغك ذلك؟

قيل: لا ننكر ذلك ولا يستحيل، فإن يكن موجوداً فهو ذلك وإلاّ فجائز أن يكون [معناه كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل] في كلّ سنبلة مائة حبّة أن جعل الله سبحانه ذلك فيها، ويحتمل أن يكون معناه: أنّها إذا بُذرت أنبتت مائة حبّة، فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المائة الحبّة مضاهياً لها، لأنّه كان عنها، وكذلك ما قاله الضحاك قال: أنبتت كلّ سنبلة مائة حبّة.

{ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } ما بين سبع وسبعين وسبعمائة إلى ما شاء الله عزّ وجل ممّا لا يعلمه إلاّ الله.

{ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } غني لتلك الأضعاف { عَلِيمٌ } بمن ينفق.

قال الضحاك في هذه الآية: من أخرج درهماً [ابتغاء] مرضاة الله فله في الدنيا لكلّ درهم سبعمائة درهم خلفاً عاجلاً، ولقي ألف درهم يوم القيامة.

قال الكلبيّ في قوله { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية: نزلت في عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) وعبد الرحمن بن عوف، " أمّا عبد الرحمن فإنّه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة فقال: كانت عندي ثمانية آلاف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف، وأربعة آلاف أقرضتها ربّي عزّ وجل.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك في ما أمسكت وفيما أعطيت " فأمّا عثمان فقال: عليّ جهاز مَنْ لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهّز المسلمين ألف بعير بأحلاسها وأقتابها وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية.

قال عبد الرحمن بن سمرة: " جاءَ عثمان (رضي الله عنه) بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يُدخل يده فيها ويقبلها ويقول: ماضرّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم ".

قال أبو سعيد الخدري: " رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم رافعاً يده يدعو لعثمان (رضي الله عنه) " يارب عثمان بن عفّان رضيت عنه فأرض عنه " وما زال يدعو رافعاً يديه حتّى طلع الفجر فأنزل الله تعالى فيه { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } "

السابقالتالي
2 3 4