الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } الآية إن قيل: ما السبب في مسألة إبراهيم ربّه عزّ وجلّ أن يُريه كيف يُحيى الموتى، وما وجه ذلك، وهل كان إبراهيم شاكّاً في إحيائه الموتى حتّى قال: ولكن ليطئمن قلبي؟

فالجواب عنه من وجوه: قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج: كان سبب ذلك السؤال أنّ إبراهيم أتى على دابة ميّتة، قال ابن جريج: كانت جيفة حمار بساحل البحر، قال عطاء: بحيرة الطبريّة، قالوا: فرآها وقد توزّعتها [دواب] البر والبحر، وكان إذا مدّ البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها فما وقع منها يصير في الماء، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت منها فما وقع منها يصير تراباً، فإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلن منها فما سقط قطعته الريح في الهواء، فلما رأى ذلك إبراهيم عليه السلام تعجّب منها وقال: يارب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع وحواصل الطيور وأجواف دواب البر فأرني كيف تُحييها لأعاين ذلك فأزداد يقيناً، فعاتبه الله عزّ وجلّ فقال: { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } بإحياء الموتى { قَالَ بَلَىٰ } يارب علمت وآمنت ولكن ليس الخبر كالمعاينة فذلك قوله: { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أي يسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة.

فعلى هذا القول أراد إبراهيم عليه السلام أن يصير له علم اليقين عين اليقين، كما أن الإنسان يعلم الشيء ويتيقنه ولكن يحب أن يراه من غير شك له فيه، كما أن المؤمنين يحبّون رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم ورؤية الجنّة ورؤية الله تعالى مع الإيمان بذلك وزوال الشك فيه.

قال ابن زيد: مرّ إبراهيم عليه السلام بحوت ميّت نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله وما كان في البر فدواب البر تأكله، فقال له الخبيث إبليس: متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟

فقال: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } ، قال: { أَوَلَمْ تُؤْمِن }؟

{ قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } بذهاب وسوسة إبليس منه ويصير الشيطان خاسراً صاغراً.

وقال بعضهم: إن إبراهيم عليه السلام لما أحتجّ على نمرود وقال: { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.

وقال: { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } وقتل ذلك الرجل وأطلق الآخر.

قال إبراهيم: فإنّ الله عزّ وجلّ يحيي بأن يقصد إلى جسد ميّت فيحييه ويجعل الروح فيه.

فقال له نمرود: أنت عاينت هذا، فلم يقدر أن يقول نعم رأيته، فانتقل إلى حجّة أُخرى، فقال إنّ الله عزّ وجلّ يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، ثم سأل ربّه فقال: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن }؟

{ قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } حتّى إذا قال لي قائل: أنت عاينت؟ أقول: نعم قد عاينت ولا أحتاج إلى الإنصراف لأي حجّة أُخرى، وليعلم نمرود إنّ الإحياء كما فعلت لا كما فعل هو.

السابقالتالي
2 3 4 5