{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ } أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها وحدودها وركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وجميع ما يجب فيها من حقوقها، وكل صلاة في القرآن مقرونة بالمحافظة فالمراد بها الصلوات الخمس، ثم خصّ الصلاة الوسطى من بينها بالمحافظة دلالة على فضلها كقوله تعالى: { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وهما من جملة الملائكة، وقوله:{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [الرحمن: 68] أخرجهما بالذكر من الجملة بالواو الدالة على التخصيص والتفصيل، فكذلك قوله: { وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ }. وقرأت عائشة { وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } بالنصب على الإغراء، وروى قالون عن نافع { ٱلْوُسْطَىٰ } بالصاد لمجاورة الطاء لأنهما من جنس واحد، وهما لغتان كالصراط والسراط، والصدغ والسدغ، والبصاق والبساق، واللصوق واللسوق، والصندوق والسندوق، والصقر والسقر. والوسطى تأنيث الأوسط، ووسط الشيء خيره وأعدله لأن خير الأمور أوسطها، قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } أي خياراً وعدلا، وقال تعالى:{ قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم: 28] أي خيرهم وأفضلهم، وقال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أوسط الناس طرّاً في مفاخرهم
وأكرم الناس أُمّاً برّة وأبا
واختلف العلماء في الوسطى وأي صلاة هي، فقال سعيد بن المسيب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها هكذا في الاختلاف، وشبّك من أصابعه، فقال قوم: هي صلاة الفجر، وهو قول معاذ وعمر وابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وعطاء وعكرمة والربيع ومجاهد وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعن موسى بن وهب قال: سمعت أبا أمامة وقد سئل عن الصلاة الوسطى قال: لا أحسبها إلاّ صلاة الصبح. معمر بن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عكرمة قالا: هي الصبح يعني الصلاة الوسطى، وهو اختيار الإمام أبي عبد الله الشافعي، يدلّ عليه ما روى الربيع عن أبي العالية أنه صلّى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلمّا أن فرغوا قال: قلت لهم: أيّتهنّ الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صلّيتها، قيل: ولأنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي صلاة الصبح، وسّطت فكانت بين الليل والنهار، يصلّى في سواد من الليل وبياض من النهار، وهي أكبر الصلوات تفوت الناس، ولأنها لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها، ولأنها بين صلاتين تجمعان، وتصديق هذا التأويل من التنزيل دالا على التخصيص والتفضيل قوله تعالى{ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [الإسراء: 78] يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار، ودليل آخر من سياق الآية وهو أنه عقبها بقوله { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } يعني وقوموا لله فيها قانتين، قالوا: ولا صلاة مكتوبة فيها قنوت سوى صلاة الفجر فعلم أنها هي، وفيه دليل على ثبوت القنوت.