الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ }: قال ابن عباس: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب أهل مكة، و { يا أيها الذين آمنوا } خطاب أهل المدينة، وهو هاهنا عام.

{ ٱعْبُدُواْ } وحّدوا وأطيعوا. { رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أوجدكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً. { وَٱلَّذِينَ } أي وخلق الذين { مِن قَبْلِكُمْ } { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }: لكي تنجوا من السُحت والعذاب.

قال سيبويه: لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله [.....].

{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً } بساطاً ومقاماً ومناماً. { وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } سقفاً مرفوعاً محفوظاً.

{ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ }: من السحاب. { مَآءً } وهو المطر { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } من الوان الثمرات وأنواع النبات.

{ رِزْقاً } طعاماً. { لَّكُمْ } وعلفاً لدوابكم.

{ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } أي أمثالا [وأعدالاً] وقرأ ابن السميقع: ندّاً على الواحد، كقول جرير:
أتيما تجعلون إليّ ندّاً   وما تيم لذي حسب نديد
{ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إنّه واحد وأنّه خالق هذه الأشياء.

قال ابن مسعود في قوله: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } قال: أكفّاء من الرجال تطيعوهم في معصية الله.

وقال عكرمة: هو قول الرجل: لولا كلبنا لدخل اللص دارنا.

{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } الآية نزلت في الكفّار، وذلك أنهم قالوا لما سمعوا القرآن: ما يشبه هذا كلام الله وإنّا لفي شكَ منه، فأنزل الله تعالى { وَإِن كُنْتُمْ } يا معشر الكفّار، [وإن] لفظة جزاء وشرط، ومعناه: إذ؛ لأنّ الله تعالى علم إنهم شاكّون كقوله:وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139] وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278].

قال الأعشى:
بانت وقد أسفرت في النفس حاجتها   بعد ائتلاف وخير الودّ ما نفعا
قال المؤرّخ: أصلها من السّورة وهي الوثبة: تقول العرب سرت إليه وثبت إليه.

قال العجاج:
وربّ ذي سرادق محجورٌ   سرت إليه في أعالي السّور
قال الأعشى:
وسمعت حلفتها التي حلفت   إن كان سمعك غير ذي وقر
{ فِي رَيْبٍ } أي في شك وتهمة.

{ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } محمد يعني القرآن.

{ فَأْتُواْ } لم يأتوا بمثله، لأنّ الله علم عجزهم عنه.

{ بِسُورَةٍ } أصلها في قول بعضهم: من أسارت، أي أفضلت فحذفت الهمزة كأنّها قطعة من القرآن، وقيل: هي الدرجة الرفيعة، وأصلها من سور البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة:
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة   ترى كل مُلْك دونها يتذبذب
{ مِّن مِّثْلِهِ } يعني مثل القرآن، و(من) صلة كقوله تعالى:قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [النور: 30-31].

كقول النابغة:
ولا أرى ملكاً في الناس يشبهه   ولا أخا (لي) من الأقوام من أحد
أي أحداً.

وقيل في قوله: (مثله): راجعة الى محمد صلى الله عليه وسلم ومعناه: { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } أي من رجل أُمّي لا يُحسن الخط والكتابة.

{ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم } يعني استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله.

وقال مجاهد والقرظي: ناساً يشهدون لكم.

السابقالتالي
2 3