الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } نزلت في عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فإنها مذهبة للعقل، مسلبة للمال، فأنزل الله تعالى هذه الآية

وجملة القول أن تحريم الخمر على أقوال المفسرون والحُفّاظ مختلفة وبعضها متفقة. هي أن الله أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكةوَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } [النحل: 67] وهو المسكر، وكان المسلمون يشربونها وهي لهم يومئذ حلال، ونزلت في مسألة عمر ومعاذ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ ربكم تقدم في تحريم الخمر " فتركها قوم لقوله { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وقالوا: لا حاجة لنا في شيء فيه إثم كبير لقوله: { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وكانوا يتمتعون بمنافعها ويجتنبون آثامها إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعا ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامهم الخمر فشربوا وسكروا، وحضرت صلاة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلّي بهم فقرأ (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون) إلى آخر السورة فحذف { لاَ } فأنزل اللهيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43] فحرّم المسكر في أوقات الصلاة فقال عمر: إنّ الله يقارب في النهي عن شرب الخمرة، فلا أراه إلاّ وسيحرّمها فلمّا نزلت [حرّم الله] تركها قوم وقالوا: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة.

وكان قوم يشربونها ويجلسون في بيوتهم، وكانوا يتركونها أوقات الصلاة، ويشربونها في غير حين الصلاة إلى أن شربها رجل من المسلمين فجعل ينوح على قتلى بدر ويقول:
تحيّي بالسلامةِ أُم بكر   وهل لك بعد رهطك من سلام
ذريني اصطبخ بكراً فإني   ليت الموت يبعد عن خيام
وودّ بنو المغيرة لو فدوه   بألف من رجال أو سوام
كأنّي بالطويّ طويّ بدر   من الشيزي يكلل بالسنام
كأني بالطويّ طويّ بدر   من الفتيان والحلل الكرام
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مسرعاً يجرّ رداءه حتى انتهى إليه ورفع شيئاً كان بيده ليضربه، فلمّا عاينه الرجل قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله، والله لا أطعمها أبداً.

وكان من حمزة بن عبد المطلب ما روى الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ودفع إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نثاره من الخمس، [واعدتُ رجلاً صواغاً أن يرتحل معي فنأتي بأذخر أردت أن أبيعه] من الصواغين وأستعين بثمنه على الدخول بفاطمة وعرسها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد