الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } الآية قال المفسرون: كان ناس من العرب لا يتّجرون في أيام الحج فإذا دخل العشر كفّوا عن الشراء والبيع فلم يقم لهم سوق وكانوا يسمون من يخرج إلى الحجّ ومعه تجارة: الداج، فأنزل الله تعالى هذه الآية واباح التجارة في الحج.

فقال ابن عبّاس: كانت عكاظ ومجنة وذو الحجاز أسواقاً في الجاهلية كانوا يتجرون فيها في الموسم وكان أكثر معايشهم منها فلما جاء الإسلام كأنهم تأثموا منها فسألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.

وقال أبو أُمامة التيمي: قلت لابن عمر: إنّا قوم نكري فيدعمون المؤمنين في الحج.

فقال: ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون الحجارة كما يرومون؟

قلت: بلى. قال: انتم حاج، جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول له حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } يعني التجارة وكان ابن عبّاس يقرأها { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } في مواسم الحج.

الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج به الخاص فإذا كان ليلة المزدلفة غفر الله للجار، وإذا كان يوم منى غفر الله للجمالين، وإذا كان عند جمرة العقبة (غفر اللَّه للسؤال) ولا شهد ذلك الموقف خلق ممن قال لا إله إلاّ الله إلاّ غفر له ".

{ فَإِذَآ أَفَضْتُم } رجعتم ودعيتم بكرة.

يقال: أفاض القوم في الحديث إذاً اندفعوا فيه وأكثروا التصرف.

قال الشاعر:
فلما أفضنا في الحديث وأسمحت   أتتنا عيون بالنميمة تضرب
وأصلها من قول العرب أفاض الرجل ماءه إذا صبّه، وأفاض البعير (تجرعه) إذا رمى ودفع بها من كرشه.

قال الراعي:
فأفضن بعد كظومهن بجرة   من ذي الابارق إذا رعين حقيلاً
ويقال: أفاض الرجل بالقداح إذا ضرب بها لأنها موضع بقع متفرقة.

قال أبو ذهيب:
يصف الحمار والأنف وأتته ربابة وكأنه   يسر يفيض على القداح ويصدع
ولا تكون الافاضة في اللغة إلاّ عن تفرق وكثرة قال عمر بن الخطاب: الافاضة الانصداع.

{ مِّنْ عَرَفَاتٍ } القراءة بالكسر والتنوين لانه جمع عرفة مثل مسلمات ومؤمنات، فسميت بها بقعة واحدة مثل قولهم: أرض سباسب وثوب اخلاق يجمع بها حولها، فلما سميت بها البقعة الواحدة صرفت إذا كانت مصروفة قبل ان يسمى بها البقعة تركاً منهم لها على أصلها فإذا كانت في الأصل بقعة واحدة ولم يكن جمعاً تركوا إجزاءها ونصبوا تاءها في حال الخفض مثل عانات وأذرعات فرقا بين الاسم وبين الجمع، واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله قيل للموقف عرفات وليوم الوقوف بها عرفة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9