الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } الآية.

قال ابن حيان وابن السايب: نزلت هذه في أمرؤ القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشرح الحضرمي، وذلك إنهما إختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أرض فأراد أمرؤ القيس أن يحلف فأنزل اللهإِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 77] فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم فأبى أن يحلف وحكم عبدان في أرضه ولا يخاصمه.

فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان أمرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب فأنزل الله عزّ وجلّ { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } الآية أيّ لا يأكل بعضكم مال بعض، (بالباطل) أي من غير الوجه الذي أباحه الله تعالى له، وأصل الباطل الشيء الذاهب الزائل يقال: بطل يبطل بطولاً وبطلاناً إذا ذهب.

{ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ } أي تلقون أمور تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام، وأصل الادلاء إرسال الدلو وإلقاءه في البئر، يقال أدلى دلوه إذا أرسلها.

قال الله تعالىفَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } [يوسف: 19] ودلاها إذا أخرجها ثمّ جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء، ومنه قيل للمحتج بدعواه: أدلى بحجته إذا كانت سبباً له يتعلق به في خصومته كتعلق المسقي بدلو قد أرسلها هو سبب وصوله إلى الماء، ويقال: أدلى فلان إلى فلان إذا تناول منه وأنشد يعقوب:
فقد جعلت إذا حاجة عرضت   بباب دارك أدلوها أيا قوم
ومنه يقال أيضاً: دلا ركابه يدلوها إذا ساقها سوقاً رفقاً قال الراجز:
يا ذا الذي يدلوا المطيّ دلوا   ويمنع العين الرقادا المرا
واختلف النحاة في محل قوله { وَتُدْلُواْ }.

فقال بعضهم: جزم بتكرير حرف النهي المعني ولا تأكلوا ولا تدلوا وكذلك هي في حرف أُبي بإثبات لا.

وقيل: وهو نصب على الصرف.

كقول الشاعر:
لا تنه عن خُلق وتأتي مثله   عار عليك إذا فعلت عظيم
وقيل: نصب باضمارين الخفيّفة.

قال الأخفش: نصب على الجواب بالواو.

{ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ } بالباطل.

وقال المفضل: أصل الإثمّ التقصير في الأمر.

قال الأعشى:
جمالية تعتلي بالرّداف   إذا كذب الاثمان الهجيرا
أي المقصرات يصف [ناقته] ثمّ جعل التقصير في أمر الله عزّ وجلّ والذنب إثماً.

{ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إنكم مبطلون.

قال ابن عبّاس: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس له فيه بينة فيجحد ويخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف ان الحق عليه ويعلم إنه آثمّ أكل حرام.

قال مجاهد: في هذه الآية لا يخاصم وليست ظالم.

الحسن: هو أن يكون على الرجل لصاحبه حق فإذا طالبه به دعاه إلى الحكام فيحلف له ويذهب بحقه.

الكلبي: هو أن يقيم شهادة الزور.

قتادة: لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم إنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حرامه ومن قضى له بالباطل فإن خصومته لم ينقض حتّى يجمع الله عزّ وجلّ يوم القيامة بينه وبين خصيمه فيقضي بينهما بالحق.

السابقالتالي
2 3