الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } قرأ حمزة وحفص: ليس البرَّ بنصب الرّاء، وقرأ الباقون: بالرّفع فمن رفع البرّ جعله إسم ليس، وجعل خبره في قوله { أَن تُوَلُّواْ } تقديره: ليس البرَّ توّليتكم، وجوهكم، ومن نصب جعل أن وصلتها في موضع الرّفع على إسم ليس تقديره: ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه. كقولهمَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [الجاثية: 25]، وقولهفَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } [الحشر: 17].

هارون عن عبد الله وأُبي بن كعب: إنّهما قرئا ليس البرَّ بأن تولوا وجوهكم، واختلف المفسرون في هذه الآية:

فقال قوم: عنى الله بهذه الآية اليهود والنصّارى؛ وذلك إنّ اليهود كانت تُصلّي قبل المغرب إلى بيت المقدس، والنّصارى قبل المشرق، وزعم كل فريق منهم إنّ البرّ في ذلك، فأخبر الله إنّ البرّ غير دينهم وعملهم، ولكنه مابينّه في هذه الآية، وعلى هذا القول: قتادة والرّبيع ومقاتل بن حيّان وعوف الأعرابي.

وقال الآخرون: المراد بهذه الآية المؤمنون؛ وذلك إنّ رجلاً سأل النبّي صلى الله عليه وسلم عن البرّ، فأنزل الله هذه الآية فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرّجل فتلاها عليه.

وقد كان الرّجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا اله إلاّ الله وإنّ محمّداً عبدهُ ورسوله وصلّى الصلاة إلى أيّ ناحية ثمَّ مات على ذلك وجبت له الجنّة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الفرائض وحدّد الحدود، وصرفت القبلة إلى الكعبة. أنزل الله هذه الآية فقال: ليس البرّ كلّه أن تصلّوا وتعملوا غير ذلك.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } جعل من وهي اسم خبراً للبرّ وهو فعل ولايُقال: البرّ زيد، واختلفوا في وجه الآية:

فقال بعضهم: لما وقع من في موضع المصدر جعله مضمراً للبرّ. كأنّه قال: ولكن البّر الأيمان بالله، والعرب تجعل الأسم خبراً للفعل كقولهم: إنّما البر الصادق الذي يصلُ من رحمه ويُخفي صدقته: يريدون صلة الرّحم، وأخفاء الصّدقة، وعلى هذا القول الفراء والمفضل بن سلمة وأنشد الفراء:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحّى   ولكنّما الفتيان كل فتى ندي
فجعل نبات اللحية خبراً للفتى.

وقيل: معناه ولكنّ البّر برّ من آمن بالله واستغنى عن النّاس، كقولهم: الجود حاتم، والشجاعة عنترة، والشعر زهير: أي جود حاتم وشجاعة عنترة وشعر زهير، وتقول: العرب: بنو فلان يطأهم الطريق، أي أهل الطريق. قال الله تعالىوَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]، وقال تعالى:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28] قال النابغة الجعدي:
وكيف نواصل من أصبحت جلالته كأبي مرحب   
أي كجلالة أبي مرحب، وعلى هذا القول قطرب والفراء والزّجاج أيضاً.

وقال أبو عبيدة: معناه ولكنّ البار من آمن بالله كقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6