الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } * { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } الصفا جمع الصّفاة وهي الصخرة الصلبة الملساء، قال امرؤ القيس:
لها كفل كصفا المسيل   أبرز عنها جحاف مضر
يقال: صفاة وصفا مثل حصاة وحصا وقطاة وقطا ونواة ونوى، وقيل: إن الصّفا واحد وتثنيته صفوان مثل عصا وعصوان وجمعه أصفا مثل رجا وأرجاء، وصَفا وصَفيِ مثل عصا وعصي، قال الراجز:
كأن متنيه من النفي   مواقع الطير على الصّفي
والمروة من الحجارة ما لان وصغر. قال أبو ذؤيب الهذلي:
حتّى كأنّي للحوادث مروة   بصفا المشرق كل يوم تقرع
أي صخرة رخوة صغيرة، وجمع المروة مروان وجمعها للكبير مرو مثل ثمرة وثمرات وثمر وحمرة وحمرات وحمرا. قال الأعشى ميمون بن قيس يصف ناقته:
وترى الأرض خفاً زائلاً   فإذاما صادف المرو رضخ
وإنّما عنى الله تعالى بهما الجبلين المعروفين بمكّة دون سائر الصّفا والمروة فلذلك أدخل فيهما الألف واللام، وشعائر الله: اعلام دينه واحدها شعيرة وكلُّ كان معلّما لقربان يتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ من دعاء وصلاة من ذبيحة واداء فرض وغير ذلك فهو شعيرة.

قال الكميت بن زيد:
نقتلهم جيلاً فجيلاً تراهم   شعائر قربان بهم يتقرب
وأصلها من الأشعار وهي الاعلام على الشيء.

وفي الحديث إنّ قائلاً قال: حين شجّ عمر في الحجّ: أشعر أمير المؤمنين دماً، وأراد بالشعائر هاهنا مناسك الحج التي جعلها الله عزّ وجلّ إعلاماً لطاعته، وقال مجاهد: يعني من الخبر الّذي أخبركم عنه وأصل الكلمة على هذا القول من شعرت أي: علمت كأنّه أعلام لله عباده أمر الصفا والمروة.

وتقدير الآية: إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله، فترك ذكر الطّواف وإكتفى بذكرهما (وذلك) معلوماً عند المخاطبين.

{ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } أصل الحجّ في اللغة: القصد.

قال الشاعر:
كراهب يحجّ بيت المقدس   ذي موحد ومنقل (وبرنس)
وقال محمّد بن جرير: من أكثر الاختلاف إلى شيء فهو حاج.

وقال المحمل السعدي:
واشهد من عوف حلولاً كثيرة   يحجون بيت الزبرقان المزعفرا
أي يكثرون التردد إليه لودده ورئاسته.

وقيل للحاج: حاج لأنّه يأتي البيت من عرفة ثمّ يعود إليه للطواف يوم النّحر ثمَّ ينصرف عنه إلى منى ثمَّ يعود إليه لطوف الصدر. فبتكرار العود إليه مرة بعد أخرى قيل له حاج:

{ أَوِ ٱعْتَمَرَ } من العمرة وهي الزيارة.

قال العجاج:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر   معزى بعيداً من بعيد وضبر
أي من قصده وزاره، وقال المفضل بن سلمة: { أَوِ ٱعْتَمَرَ } أي حلّ بمكّة بعد الطواف والسّعي ففعل ما يفعل الحلال.

والعمرة: لإقامة الموضع والعمارة: اصلاحه ومرمّته.

وعن عبد الله بن عامر بن رفيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحجّ والعمرة فإن متابعة ما بينهما يزيدان في العمر والرّزق وينفيان الذنوب كما ينّفي الكير خبث الحديد ".


السابقالتالي
2 3 4 5