الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ } أي ولكلّ أهل ملّة قبلة.

{ هُوَ مُوَلِّيهَا } مستقبلها ومقبل إليها يُقال: ولّيته، وولّيت إليه إذا أقبلت إليه وولّيت عنه إذا أدبرت عنه.

وأصل التولية: الإنصراف، وقرأ ابن عبّاس وابن عامر وأبو رجاء وسليمان بن عبدالملك: هو مولاها: أي مصروف إليها.

وفي حرف أُبي: ولكّ قبلة هو مولّيها، وفي حرف عبدالله: ولكلّ جعلنا قبلة هو موليها.

{ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ } وبادروا فعل الخيرات، ومجازه فاستبقوا إلى الخيرات: أي يسبق بعضكم بعضاً؛ فحذف حرف الخبر. كقول الشاعر:
وهو الداعي (......) عليكم بالحرب   ومن يمل سواكم فإني منه غير مائلِ
اراد من يمل إلى سواكم.

{ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ } يريد أهل الكتاب.

{ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } يوم القيامة؛ فيجزيكم بأعمالكم.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } حيث حرف بدل على الموضع، وفيه ثلاث لغات: بالياء وحرف الثاء وهي لغة قريش، وقراءة العامّة، واختلفوا في وضع رفعها فقيل: هو مبني على الضم مثل: منذ وقط، وقيل: رفع على الغاية كقولهلِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [الروم: 4].

وحيث: بالياء ونصب الثاء وهي قراءة عبيد بن عمير.

قال الكسائي: إنّما نُصب بسبب الياء لأنّها ساكنة وإذا اجتمع ساكنان في حرف حركوا الثاني إلى الفتح؛ لأنّه أخف الحركات مثل: ليت وكيف.

وحوثُ: بالواو والضم وهي لغة ابن عمر.

يروى إنّهُ سئل أين يضع المصلّى يده في الصلاة، فقال: ارم بهما حوثُ وقعتا.

{ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } إلى { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ } أيّها المؤمنون. { فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } هي لام كي دخلت على أن فكتبت بالكسرة ما قبلها، وترك بعضهم همزها تخفيفاً، والحجة فعلة من الحج وهو الفصل، ومنه المحجة وهي الطريق الواضح المسلوك؛ لأنّه مقصود، ويُقال: للمخاصمة محاجة لقصد كلّ واحد من الخصمين إلى إقامة بينته، وإبطال ما في يد صاحبه.

واختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله { إِلاَّ } فقال بعض أهل التأويل: ومعنى الآية حوّلت القبلة إلى الكعبة لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّة إذا صلّيتم إليها فيحتجّون عليكم ويقولون: لم تركتم التوجه إلى الكعبة وتوجهتم إلى غيرها لولا إنّه ليست لكم قبلة؟

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم قريش واليهود وأمّا قريش فتقول إنّما رجع إلى الكعبة لأنّه علم أنّها قبلة آبائه وهي الحقّ وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنّه الحقّ، وأمّا اليهود فإنّهم يقولون لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنّه حق إلاّ إنّه إنّما يفعل برأيه فيزعم إنّه أَمر به، وهذا القول اختيار المفضّل بن سلمة الضبي وهو قول صحيح مرضي.

وقال قوم: معنى الآية { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ } يعني لأهل الكتاب عليكم حجّة وكانت حجّتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلاتهم نحو بيت المقدّس إنّهم كانوا يقولون: ما درى محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن، وقولهم: يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا فهذه الحُجّة التي كانوا يحتجوّن بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتموية بها على الجّهال من المشركين ثمّ قال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم مشركوا مكّة وحجّتهم إنّهم قالوا: لمّا صرفت القبلة إلى الكعبة أنّ محمّداً قد تحيّر في دينه فتوجّه إلى قبلتنا وعلم إنّا أهدى سبيلاً منه وانّه لا يستغني عنّا ويوشك أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والربيع والسّدي واختيار محمد بن جرير.

السابقالتالي
2 3 4 5 6