الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } الجهال.

{ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ } صرفهم وحوّلهم.

{ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } من بيت المقدس. نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة: قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلاً.

قال الله { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } ملكاً والخلق عبيدهُ يحولهم كيف شاء.

{ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } عدلاً خياراً. تقول العرب: إنزل وسط الوادي: أي تخيّر موضعاً فيه، ويُقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسط قريش نسباً أي خيرهم: قال الله تعالى وقَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم: 28]، أي أخيرهم وأعدلهم، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها. قال زهير:
هم وسط ترضى الأنام لحكمهم   إذا نزلت احدى الليالي بمعظم
وقال الكلبي: يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين. قال ثعلب: يُقال: جلس وسط القوم ووسط الدّار، وكذلك فيما يُحتمل البينونة (واحتمل وسطاً له) بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة.

نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل: ما ترك محمّد قبلتنا إلاّ حسدا، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس. فقال معاذ: إنّا على حق وعدل. فأنزل الله { وَكَذَلِكَ } أي وهكذا، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره: وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك جعلناكم أُمّة وسطاً. مردودة على قولهوَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [البقرة: 130] الآية.

{ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } يوم القيامة أنّ الرُّسل قد أبلغتهم.

{ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } محمّد صلى الله عليه وسلم. { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } معدلاً مزكيّاً لكم؛ وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الدّاعي، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأُمم. ألم يأتكم نذير فتشكرون، ويقولون: ما جاءنا من نذير.

فيُسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون: قد كذّبوا، قد بلغناهم وأُعذرنا إليهم: فيسألهم البينّة، وهو أعلم بأقامة الحجة. فيُوتى بأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا فتقول الأُمم الماضية: من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟

فيقولون: علمنا ذلك باخبار الله أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق. فيؤتى محمّد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أُمّته. فيزكّيهم ويشهد لصدقهم.

{ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس.

وقيل: معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقولهكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } [آل عمران: 110] أي أنتم.

{ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } لنرى ونميّز { مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } في القبله.

السابقالتالي
2