الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } * { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } أي يترك دينه وشريعته.

يقال: رغب في الشيء إذا أردته ورغبت عنه إذا تركته.

وأصل الرّغبة: رفع الهمّة عن الشيء وإليه يقال: رغب فلان في فلان وإليه إذا همّت نفسه إليه، والأصل فيه الكرة فمعنى قوله تعالى { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } أي يرفع همّته عنها { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }.

قال ابن عبّاس: حيّر نفسه.

حيّان عن الكلبي: ظلّ من [جهة] نفسه.

أبو روق: عجَّز رأيه عن نفسه.

يمان: حمق رأيه، ونفسه منصوب في هذه الأقاويل بنزع حرف الصّفة.

وقال الفرّاء: نصب على التفسير، والأصل: سفهت نفسه فلمّا أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس مفسَّرة ليعلم موضع السفه كما يقال: ضقت به ذرعاً معناه: ضاق ذرعي به، ويقال: ألم زيدُ رأسه ووجع بطنه.

وقال أبو عبيدة: سفه نفسه: أي أوبق نفسه وأهلكها.

هشام وابن كيسان: جهل نفسه.

وحكى المفضّل بن سلمة عن بعضهم سفه. حقّر نفسه.

والنفس على هذه الأقوال نصب لوقوع الفعل عليه وهذا كما جاء في الخبر: " من عرف نفسه فقد عرف ربّه ".

وأصل السفه والسفاهة: الخفّة والجهل وضعف الرأي يقال سفه يسفه وسفه يسفه.

{ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ } اخترناه { فِي ٱلدُّنْيَا } وأصل الطاء فيه تاء حوّلت طاء لقرب مخرجيها ولتطوع اللسان به.

{ وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الفائزين. قال الزجّاج وقال ابن عبّاس: يعني مع آبائه الأنبياء في الجنّة بيانه قوله: خطابه عن يوسفتَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [يوسف: 101].

وقال الحسين بن الفضل: في الآية تقديم وتأخير تقديرها لقد إصطفيناه في الدنياّ والأخرة بأنّه لمن الصالحين نظيرها في سورة النحل. { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } أي استقم على الإسلام أو اثبت عليه لأنّه كان مُسلماً كقوله تعالىفَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [محمد: 19] أي أثبت على علمك.

وقال ابن عبّاس: إنّما قال له ذلك حين ألُقي في النّار، وعن ابن كيسان: أخلص دينك لله بالتوحيد.

عطاء: أسلم نفسك إلى الله، وفوّض أمورك لله، وقيل: إخضع وإخشع.

{ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } { وَوَصَّىٰ } في مصحف عبد الله: فوّصى، وقال أهل المدينة والشام: وأوصى بالألف، وكذلك هو في مصاحفهم.

قال أبو عبيد: وكذلك رأيت في مصحف عثمان، وقرأ الباقون " ووصّى " مشدداً، وهما لغتان، يُقال: أوصيته قد وصيته به إذا أمرته به مثل: أنزل ونزّل. قال اللهفَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [الطارق: 17]، وتصديق الأيصاء قولهيُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } [النساء: 11]، وقولهيُوصِينَ } [النساء: 12]، ودليل التوصية قولهوَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت: 8]، وقولهفَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } [يس: 50].

الكلبي ومقاتل: يعني كلمة الأحاد لا إله إلاّ الله، وقال أبو عبيدة: إن شئت رددت الكناية إلى الملّة لأنّه ذكر ملّة إبراهيم وأن شئت رددتها إلى الوصية.

السابقالتالي
2 3