{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } أي يترك دينه وشريعته. يقال: رغب في الشيء إذا أردته ورغبت عنه إذا تركته. وأصل الرّغبة: رفع الهمّة عن الشيء وإليه يقال: رغب فلان في فلان وإليه إذا همّت نفسه إليه، والأصل فيه الكرة فمعنى قوله تعالى { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } أي يرفع همّته عنها { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }. قال ابن عبّاس: حيّر نفسه. حيّان عن الكلبي: ظلّ من [جهة] نفسه. أبو روق: عجَّز رأيه عن نفسه. يمان: حمق رأيه، ونفسه منصوب في هذه الأقاويل بنزع حرف الصّفة. وقال الفرّاء: نصب على التفسير، والأصل: سفهت نفسه فلمّا أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس مفسَّرة ليعلم موضع السفه كما يقال: ضقت به ذرعاً معناه: ضاق ذرعي به، ويقال: ألم زيدُ رأسه ووجع بطنه. وقال أبو عبيدة: سفه نفسه: أي أوبق نفسه وأهلكها. هشام وابن كيسان: جهل نفسه. وحكى المفضّل بن سلمة عن بعضهم سفه. حقّر نفسه. والنفس على هذه الأقوال نصب لوقوع الفعل عليه وهذا كما جاء في الخبر: " من عرف نفسه فقد عرف ربّه ". وأصل السفه والسفاهة: الخفّة والجهل وضعف الرأي يقال سفه يسفه وسفه يسفه. { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ } اخترناه { فِي ٱلدُّنْيَا } وأصل الطاء فيه تاء حوّلت طاء لقرب مخرجيها ولتطوع اللسان به. { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الفائزين. قال الزجّاج وقال ابن عبّاس: يعني مع آبائه الأنبياء في الجنّة بيانه قوله: خطابه عن يوسف{ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [يوسف: 101]. وقال الحسين بن الفضل: في الآية تقديم وتأخير تقديرها لقد إصطفيناه في الدنياّ والأخرة بأنّه لمن الصالحين نظيرها في سورة النحل. { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } أي استقم على الإسلام أو اثبت عليه لأنّه كان مُسلماً كقوله تعالى{ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [محمد: 19] أي أثبت على علمك. وقال ابن عبّاس: إنّما قال له ذلك حين ألُقي في النّار، وعن ابن كيسان: أخلص دينك لله بالتوحيد. عطاء: أسلم نفسك إلى الله، وفوّض أمورك لله، وقيل: إخضع وإخشع. { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } { وَوَصَّىٰ } في مصحف عبد الله: فوّصى، وقال أهل المدينة والشام: وأوصى بالألف، وكذلك هو في مصاحفهم. قال أبو عبيد: وكذلك رأيت في مصحف عثمان، وقرأ الباقون " ووصّى " مشدداً، وهما لغتان، يُقال: أوصيته قد وصيته به إذا أمرته به مثل: أنزل ونزّل. قال الله{ فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [الطارق: 17]، وتصديق الأيصاء قوله{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } [النساء: 11]، وقوله{ يُوصِينَ } [النساء: 12]، ودليل التوصية قوله{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت: 8]، وقوله{ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } [يس: 50]. الكلبي ومقاتل: يعني كلمة الأحاد لا إله إلاّ الله، وقال أبو عبيدة: إن شئت رددت الكناية إلى الملّة لأنّه ذكر ملّة إبراهيم وأن شئت رددتها إلى الوصية.