الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } الآية: وذلك إنّ المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله وأرعنا سمعك يعنون من المراعاة، وكانت هذه اللفظة سبّاً مبيحاً بلغة اليهود، وقيل: كان معناه عندهم: اسمع لا سمعت، وقيل: هو إلحاد إلى الرعونة لما سمعتها اليهود اغتنموها، وقالوا فيما نسب بعضهم إلى محمّد سراً. فاعلنوا الآن بالشّتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمّد ويضحكون فيما بينهم. فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها، وكان يعرف لغتهم. فقال لليهود: عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده يامعشر اليهود إن سمعنا من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لضربت عنقه. فقالوا: أولستم تقولونها؟

فأنزل الله تعالى { يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } لكي لا يجد اليهود بذلك سبيلاً إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هذه اللفظة ثلاث قرآت:

قرأ الحسن راعناً بالتنوين أراد قولاً راعناً: أي حقاً من الرعونة فحذف الاسم وأبقى الصّفة. كقول الشاعر:
ولا مثل يوم في قدار ظله   كأني وأصحابي على قرن أعفرا
اراد قرن ظبي أعفر. حذف الاسم وابقى النعت.

وقرأ أُبي بن كعب: راعونا بالجمع.

وقرأت العامّة: راعنا بالواحد من المراعاة. يُقال: أرعى إلى الشيء وارعاه وراعاه. إذا أصغى إليه واستمعه. مثل قولهم: عافاه الله واعفاه.

قال مجاهد: لا تقولوا راعنا: يعني خلافاً.

يمان: هجراً.

الكسائي: شرّاً.

{ وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا } قال أُبي بن كعب: انظرنا بقطع الألف أي أخرنا، وقرأت العامّة موصولة أي انظر إلينا. فحذف حرف التعدية كقول قيس بن الخطيم:
ظاهرات الجمال والحسن ينظرن   كما ينظر الأراك الظبّا
أي إلى الأراك، وقيل: معناه انتظرنا وتأننا. كقول امرؤ القيس:
فانكما أن تنظراني ساعة   من الدهر تنفعني لدى ام جندب
وقال مجاهد: معناه فهَّمنا، وقال يمان: بيّن لنَّا.

{ وَٱسْمَعُواْ } ما تؤمرون به، والمراد به اطيعوا لأنّ الطّاعة تحت السّمع.

{ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني اليهود.

{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } الآية: وذلك إنّ المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمّد قالوا: ما هذا الّذي تدعوننا إليه بخير مما نحن عليه ولو [هدانا] لكان خيراً. فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم (ما يودّ): يريد ويتمنى الّذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود.

{ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } مجرور في اللفظ بالنسق على من مرفوع المعنى بفعله كقوله عزّ وجلّوَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] { أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ } أي خبر كما نقول: ما أتاني من أحد من فيه، وفي جوابها صلة، وهي كثيرة في القرآن.

{ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ } والاختصاص أوكد من الخصوص لأن الاختصاص لنفسك والخصوص لغيرك.

{ بِرَحْمَتِهِ } بنبوّته. { مَن يَشَآءُ } يخص بها محمّداً صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4