الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ أَوَكُلَّمَا } واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام. كما يدخل على الفاء في قولهأَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [يونس: 42]أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ } [الكهف: 50] وعلى ثمّ كقوله تعالىأَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } [يونس: 51] ونحوها.

وقرأ ابن السّماك العدوي: ساكنة الواو على النسق و (كلما) نصب على الظرف. { عَاهَدُواْ عَهْداً } يعني اليهود.

قال ابن عبّاس: لِمَا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم وما عهد إليهم فيه.

قال مالك بن الصّيف: إنّ الله ما عهد إلينا في محمد عهد ولا ميثاق فأنزل الله تعالى هذه الآية يوضحه قراءة أبي رجاء العطاردي: أوكلما عوهدوا عهداً لعنهم الله، دليل هذا التأويل قولهوَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية[آل عمران: 187].

وقال بعضهم: هو أنّ اليهود تعاهدوا لئن خرج محمّد ليؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب، وننفيهم من بلادهم، فلما بعث نقضوا العهد وكفروا به دليله ونظيره قوله عزّ وجلّ { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [البقرة: 101].

وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين رسول الله وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنّضير دليله قولهٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ } [الأنفال: 56].

{ نَّبَذَهُ } أي رفضه وفي قول عبد الله: نقضه.

{ فَرِيقٌ مِّنْهُم } طوائف من اليهود.

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فأصل النبذ الرّمي والرفض له، وأنشد الزجاج:
نظرت إلى عنوانه فنبذته   كنبذك نعلاً اخلقت من نعالكا
وهذا مثل من يستخف بالشيء ولا يعمل به، تقول العرب: أجعل هذا خلف ظهرك، ودبر اذنك، وتحت قدمك: أي أتركه واعرض عنه قال الله تعالى:وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [هود: 92]، وأنشد الفراء:
تميم بن قيس لا تكونن حاجتي   بظهر ولا يعبأ عليَّ جوابها
قال الشعبي: هو بين أيديهم يقرؤنه ولكن نبذوا العمل به:

وقال سفيان بن عيينة: أدرجوه في الحرير والدّيباج وحلّوه بالذّهب والفضّة ولم يحلّوا حلاله ولم يحرّموا حرامه فذلك النبذ.

{ وَٱتَّبَعُواْ } يعني اليهود.

{ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ } أي ما تلت الشياطين.

كقول الشّاعر:
فأذا مررت بقبره فاعقر به   كؤم الحجان وكلّ طرف سالح
وانضح جوانب قبره بدمائها   فلقد بكوه أخادم وذبائح
وحكي عن الحسين بن الفضل إنّه سئل عن هذه الآية فقال: هو مختصر مضمر تقديره واتبعوا ما كانت تتلوا الشياطين أي تقرأه.

قال ابن عبّاس: يتبع ويعمل به.

عطاء وأبو عبيدة: يحدّث ويتكلم به.

يمان: ترويه.

وقرأ الحسن: الشياطون بالواو في موضع الرفع في كل القرآن.

قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا حامد الخارزنجي يقول: وسئل عن قراءة الحسن؟

قال: هو فن وحسن عند أكثر أهل الأدب.

غير أن الأصمعي زعّم إنّه سمع أعرابياً يقول: بستان فلان حوله بساتون.

{ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أي في ملكه وعهده كقول أبي النّجم:
فهي على الأفق كعين الأحول   

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8