{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً } مؤمناً موقناً صدوقاً { نَّبِيّاً } رسولاً رفيعاً { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } آزر وهو يعبد الأوثان { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ } صوتاً { وَلاَ يُبْصِرُ } شيئاً { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ } لا ينفعك ولا يكفيك { شَيْئاً } يعني الأصنام { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ } والبيان بعد الموت وأنّ من غيره عذّبه { مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ } على ديني { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } مستوياً. { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } لا تطعه، لم تصل، له ولم تصم وإنّ من أطاع شيئاً فقد عبده { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } عاصياً عاتياً، وكان بمعنى الحال أي هو، وقيل بمعنى: صار. { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ } أعلم { أَن يَمَسَّكَ } يصيبك { عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } لقوله:{ إِلاَّ أَن يَخَافَآ } [البقرة: 229] وقوله{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا } [البقرة: 229] وقيل: معناه إنّي أخاف أن ينزل عليك عذاباً في الدنيا { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } قريناً في النار، فقال له أبوه مجيباً له { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } تارك عبادتهم وزاهد فيهم { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } لئن لم تسكت وترجع عن مقالتك { لأَرْجُمَنَّكَ } قال الضحاك ومقاتل والكلبي: لأشتمنّك، وقال ابن عباس: لأضربنّك، وقيل لأُظهرنّ أمرك { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } قال الحسن وقتادة وعطاء: سالماً، وقال ابن عباس: واعتزلني سالم العرض لا يصيبنّك منّي معرّة، وقال الكلبي: اتركني واجتنبني طويلاً فلا تكلّمني، وقال سعيد بن جبير: دهراً، وقال مجاهد وعكرمة: حيناً، وأصل الحرف المكث، ومنه يقال: تملّيت حيناً، والملوان الليل والنهار. { قَالَ } إبراهيم { سَلاَمٌ عَلَيْكَ } أي سلمت منيّ لا أصيبك بمكروه { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } قال ابن عباس ومقاتل: لطيفاً رحيماً، وقيل: بارّاً، وقال مجاهد: عوّده إلاجابة، وقال الكلبي: عالماً يستجيب لي إذا دعوته. { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني وأعتزل ما تعبدون من دون الله، قال مقاتل: كان اعتزاله اياهم أنه فارقهم من كوثى فهاجر منها إلى الأرض المقدسة. { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } يعني عسى أن يجيبني ولا يخيّبني، وقيل: معناه عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام. { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ } ما تَدْعُون: تعبدون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام فذهب مهاجراً { وَهَبْنَا لَهُ } بعد الهجرة { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا } نعمتنا، قال الكلبي: المال والولد، وقيل: النبوّة والكتاب، بيانه قوله{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32]. { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } يعني ثناءً حسناً رفيعاً في كلّ أهل الأديان، وكلّ أهل دين يتولّونهم ويثنون عليهم. { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } يعني غير مرائي، قال مقاتل: مسلماً موحداً، وقرأ أهل الكوفة: مخلَصاً بفتح اللام يعني أخلصناه واخترناه { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ } دعوناه وكلّمناه ليلة الجمعة { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } يعني يمين موسى، والطور: جبل بين مصر ومدين { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } يعني رفعناه من سماء إلى سماء ومن حجاب إلى حجاب حتى لم يكن بينه وبينه إلاّ حجاب واحد.