الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } * { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } تخوف كفار مكة { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } وقد اختلفوا في مبلغ مدة القرن:

قال عبد الله بن أُبي: وفي القرن عشرون ومائة سنة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن كان وآخرهم يزيد بن معاوية.

وروى محمّد بن القاسم " عن عبد الله بن بشير المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: سيعيش هذا الغلام قرناً» فقلت: كم القرن؟ قال: «مائة سنة ".

قال محمّد بن القاسم: مازلنا نعدّ له حتّى (تمت) مائة سنة ثمّ مات.

وقال الكلبي: القرن ثمانون سنة.

وروى عمر بن شاكر عن ابن سيرين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القرن أربعون سنة ".

{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني الدنيا فعبرنا بحرف عن الاسم، أراد بالدار العاجلة { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } من البسط والتقدير { لِمَن نُّرِيدُ } أن يفعل به ذلك [أوّل] إهلاكه، { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } في الآخرة { يَصْلاهَا } يدخلها { مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } مطروداً مبعداً { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } وعمل لها عملها { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } مقبولاً غير مكفور { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ } أيّ نمد كل الفريقين، من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة فيرزقهما جميعاً { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } ثمّ يختلف بهما الحال في المال { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } ممنوعاً [محبوساً] عن عباده { ٱنظُرْ } يا محمّد { كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في الرزق والعمل، يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره { فَتَقْعُدَ } فتبقى { مَذْمُوماً مَّخْذُولاً * وَقَضَىٰ } أمر { رَبُّكَ }.

قال ابن عبّاس وقتادة والحسن قال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن وقال إنه طلق امرأته ثلاثاً، فقال: إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك. فقال الرجل: قضى الله ذلك عليَّ.

قال الحسن وكان فصيحاً: ما قضى الله، أي ما أمر الله وقرأ هذه الآية { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } فقال الناس: تكلم الحسن في [القدر].

وقال مجاهد وابن زيد: وأوصى ربك، ودليل هذا التأويل قراءة علي وعبد الله وأُبيّ: ووصى ربك.

وروى أبو إسحاق [الكوفي] عن شريك بن مزاحم أنه قرأ: ووصى ربك وقال: إنهم [أدغوا] الواو بالصاد فصارت قافاً.

وقال الربيع بن أنس: [وأوجب] ربك إلاّ تعبدو إلاّ إياه.

{ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وأمر بالأبوين إحساناً بّراً بهما وعطفاً عليهما { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ } الكسائي بالالف، وقرأ الباقون: يبلغن بغير الألف على الواحدة وعلى هذه القراءة قوله { أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } كلام [مستأنف] كقوله ف

السابقالتالي
2 3