الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ }

{ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً } خديعة وفساداً { بَيْنَكُمْ } يغرون بها الناس فتسكنون إلى إيمانكم ويأمنون ثمّ ينقضونها ويختلفون فيها { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين، والعرب تقول لكل مبتل بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلّت قدميه.

كقول الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقاً   وتلطع إن زلت بك القدمان
{ وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ } العذاب { بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني ولا تنقظوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضاً قليلاً من الدنيا، ولكن أوفوا بها فإنما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فصل ما بين العوضين ثمّ بين ذلك { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ } بالنون عاصم. الباقون بالياء.

{ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤا } على الوفاء في السرّاء والضراء { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } دون أسوأها ويغفر سيئاتهم بفضله { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } اختلفوا فيها:

فقال سعيد بن جبير وعطاء والضحاك: هي الرزق الحلال، وهو رواية ابن أبي مالك وأبي الربيع عن ابن عبّاس.

وقال الحسن وعلي وزيد ووهب بن منبّه: هي القناعة والرضا بما قسم الله، وهذه رواية عكرمة عن ابن عبّاس.

وقال مقاتل بن حيان: يعني أحسن في الطاعة، وهي رواية عبيد بن سليم عن الضحاك، فقال: من يعمل صالحاً وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة فحياة طيبة. ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل عملاً صالحاً فمعيشة ضنك لا خير فيها.

أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة.

الوالبي عن ابن عبّاس: هي السعادة، مجاهد وقتادة وابن زيد: هي الجنة، ومثله روي عن الحسن وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة.

{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

قال أبو صالح: جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأوثان، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } يعني فإذا كنت قارئاً للقرآن { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }.

قال محمّد بن جرير، وقال الآخرون: مجازه: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، كقوله:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ } [المائدة: 6] الآية، أي الطهارة مقدمة على الصلاة، وقوله: وإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: 1] معناها وإذا أردتم تطليق النساء لأنه محال أن يأمرهم بالتطليق المعين بعد ما مضى التطليق. وأما حكم الآية: فاعلم أن الاستعاذة عند قراءة القرآن مستحبة في الصلاة وغير الصلاة، هذا قول جماعة الفقهاء إلاّ مالكاً، فإنه لا يتعوذ إلاّ في قيام رمضان، واحتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وإنما تأويل هذا الحديث أنه كان يفتتح القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين، يدل عليه أن الصلاة تفتتح بالتكبير بلا خلاف على أن الخبر متروك الظاهر.

السابقالتالي
2 3