الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

{ أَلَمْ يَرَوْاْ }. قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ويعقوب بالتاء.

وقرأ عاصم بضمر التاء. واختاره أبو عبيد لما قبلها.

{ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ } مذللات { فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ } أي في الهواء بين الأرض والسماء { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الهواء { إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ } التي هي من الحجر والمدر { سَكَناً } مسكناً تسكنونه.

قال الفراء: السكن: الدار، والسكن بجزم الكاف: أهل البلد.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } يعني الخيام والقباب والأخبية [والفساطيط من الأنطاع] والأدم وغيرها { تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } رحلكم وسفركم { وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } في بلادكم [لا يثقل] عليكم في الحالتين.

واختلف القرّاء في قوله: { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ }.

فقرأ الكوفيون بجزم العين، وقرأ الباقون: بفتحه. وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنه [أشهر] اللغتين وأفصحهما. { وَمِنْ أَصْوَافِهَا } يعني أصواف الضان وأوبار الإبل وأشعار المعز. والكنايات كلها راجعة إلى الأنعام.

{ أَثَاثاً } قال ابن عبّاس: مالا، مجاهد: [متاعاً].

حميد بن عبد الرحمن: [أثاثاً يعني] الأثاث: المال أجمع من الإبل والغنم والعبيد، والمتاع غيره هو متاع البيت من الفرش والأكسية وغيرها ولم يسمع له واحد مثل المتاع.

وقال أبو زيد: واحد الأثاث أثاثة. قال الخليل: أصله من الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض حتّى يكثر ومنه شعر الشعراء كثر وأثّ شعر فلان أي إذا كثر والتف.

قال أمرؤ القيس:
أثيث كقنو النخلة المتعال   
قال محمّد بن نمير الثقفي في الأثاث:
أهاجتك الظعائن يوم بأتوا   بذي الزي الجميل من الأثاث
{ وَمَتَاعاً } [بلاغاً] تنتفعون بها { إِلَىٰ حِينٍ } يعني الموت. وقيل: إلى حين يبلى ويفنى.

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } تستظلون بها من شدة الحر وهو ظلال الأشجار والسقوف والأبنية { مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } يعني الغيران والأسراب والمواضع التي تسكنون فيها واحدها كنّ { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } قمصاً من الكتان والقطن والخز والصوف { تَقِيكُمُ } تمنعكم. { ٱلْحَرَّ }.

[وقال] أهل المعاني: [أراد] الحر والبرد فأكتفى بأحدهما عن الآخر بدلالة الكلام عليه نظيره قوله:إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل: 12] يعني الهدي والإضلال.

{ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } يعني الدروع ولباس الحرب والمعنى: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } يخضعون له بالطاعة ويخلصون له بالعبادة.

وروى نوفل بن أبي [عقرب] عن ابن عبّاس أنه قرأ: (يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) بالفتح، يعني من الجراحات.

قال أبو عبيد: الاختيار قراءة العامّة، لأن ما أنعم الله علينا في الإسلام أكثر من إنعامه علينا في السلامة من الجراح.

وقال عطاء الخراساني في هذه الآية: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } وما جعل لكم من السهول أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب جبال.

السابقالتالي
2