{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } عُذّبوا وقُتلوا في الله، نزلت في بلال وصهيب وخبّاب وعمار وعابس وجبير وأبي جندل بن سهيل، أخذهم المشركون بمكة فعذّبوهم. وقال قتادة: يعني أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم حتّى لحق جماعة منهم بالحبشة ثمّ بوّأهم الله بالمدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار الهجرة وجعل لهم على من ظلمهم [أنصاراً من المؤمنين والآية تعم الجميع]. { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } أنزلهم المدينة وأطعمهم الغنيمة. ويروى إن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أفضل، ثمّ تلا هذه الآية. وقال بعض أهل المعاني: مجاز قوله تعالى: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } ليحسنّن إليهم في الدنيا. { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } في الله على ما نابهم { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } الآية نزلت في مشركي مكة حين أنكروا نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فهّلا بعثت إلينا ملكاً. { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } يعني هم أهل الكتاب { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ } فإن قيل: ما الجالب لهذه الباء؟ قيل: قد اختلفوا في ذلك: فقال بعضهم: هي من صلة أرسلنا و { إِلاَّ } بمعنى غير، مجازه: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة. وهذا كما تقول: ماضرب إلاّ أخوك عمر، وهل كلم إلاّ أخوك زيداً، بمعنى ماضرب عمر غير أخيك، هل كلم زيداً غير أخيك. قال أوس بن حجر:
أبني لبيني لستمُ بيد
إلا يد ليست لها عضد
يعني غير يده، قال الله{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] أي غير الله. وقال بعضهم: إنما هذا على كلامين، يريد: وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً أرسلنا بالبينات والزبر ويشهد على ذلك بقول الأعمش:
وليس مجيراً إن أتى الحي خائف
ولا قائلا إلاّ هو المتعيّبا
يقول: لو كان بذلك على كلمة لكان خطأ من سفه القائل، ولكن جاء ذلك على كلامين كقول الآخر: