الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بتحريم ذلك عليهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } فجزيناهم ببغيهم { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } الآية قيل الهاء في قوله بعدها راجع إلى الجهالة، وقيل: إلى المعصية لأن السوء بمعنى المعصية، فردّ الكناية إلى المعنى، وقيل: إلى الفعلة { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } أي معلماً للخير يأتم بأهل الدنيا، وقد اجتمع فيه من الخصال الحميدة والأخلاق الجميلة ما يجتمع في أمة.

روى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } فقلت: إنما قال الله: (إن إبراهيم كان أُمة قانتا). فقال: أتدري ما الأُمة وما القانت؟ قلت: الله أعلم، قال: الأُمة الذي يعلَّم الخير والقانت المطيع لله. وكذلك كان معاذ بن جبل فكان يعلَّم الخير وكان مطيعاً لله ولرسوله.

وقال مجاهد: كان مؤمناً وحده والناس كفار كلهم، وقال قتادة: ليس من أهل دين إلا يقولونه ويرضونه.

شهر بن حوشب قال: لم يبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها، إلاّ زمن إبراهيم فإنه كان وحده { قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } مسلماً مستقيماً على دين الاسلام { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } يعني الرسالة والحكمة والثناء الحسن.

وقال مقاتل بن حيان: يعني الصلوات في قول هذه الأُمة: اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم، [وقيل] أولاداً أبراراً على الكبر. وقيل: القبول العام في جميع الأُمم { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } حاجاً مسلماً { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }.

ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى إبراهيم (عليه السلام) فراح به إلى منى فصلى به الصلوات جميعاً الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر ثمّ غدا به إلى عرفات فصلى به الصلاتين جميعاً الظهر والعصر، ثمّ راح فوقف به حتّى إذا غربت الشمس أفاض به إلى جمع فصلى به الصلاتين المغرب والعشاء، ثمّ بات به حتّى إذا كان كما عجل ما يصلي أحد من المسلمين صلى به [الفجر]، ثمّ وقف حتّى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين أفاض به إلى منى فرمى الجمرة وذبح وحلق، ثمّ أفاض به إلى البيت فطاف به " فأوحى الله تعالى إلى محمّد { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ".

{ إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ } يقول: ما فرض الله تعالى بتعظيم السبت وتحريمه إلاّ على الذين اختلفوا فيه.

السابقالتالي
2 3 4