الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ }

{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله: { لَوَاقِحَ } ، وقرأ بعض أهل الكوفة: الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد، لأنه يقال: جاءت الريح من كل جانب، وهو مثل قوله: أرض سباسب وثوب أخلاق، وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع، وقول العلماء في وجه وصف الرياح: باللقح، وإنما هي ملقّحة لانها تلقح السحاب والشجر.

فقال قوم: معناها حوامل؛ لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال: ناقة لاقحة إذا حملت الولد، ويشهد على هذا قوله:ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [الذاريات: 41] فجعلها عقيماً إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير، فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر.

قال الطرماح:
لأفنان الرياح للاقح قال منها وحائل   
وقال الفراء: أراد ذات لقح. كقول العرب: رجل نابل ورامح وتامر.

قال أبو عبيدة: أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث «أعوذ بالله من كل لامّة» أي ملمّة.

قال النابغة:
كليني لهمَ يا أميمة ناصب   وليل أُقاسيه بطيء الكواكب
أي منصب.

قال زيد بن عمر: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمّا، ثمّ يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثمّ يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثمّ يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثمّ تلا: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ }.

وقال أبو بكر بن عياش: لا يقطر قطرة من السحاب إلاّ بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه: فالصبا تهيّجه، والدبور تلقحه، والجنوب تدرّه، والشمال تفرقه.

ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس ".

{ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلنا المطر لكم سقياً، ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال: فسقيناكموه، وذلك أن العرب تقول: سقيت الرجل ماءً ولبناً وغيرهما ليشربه، إذا كان لسقيه، فإذا جعلوا له ماءً لشرب أرضه أو ماشيته قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا: أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:
وقفت على رسم لميّة ناقتي   فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه   تكلمني أحجاره وملاعبه
قال المؤرخ: ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي ومالا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء.

{ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } يعني المطر. قال سفيان: بما نعين.

{ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا، نظيره قوله:إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [مريم: 40].

{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ }.

ابن عبّاس: أراد بالمستقدمين: الأموات، والمستأخرين: الأحياء.

السابقالتالي
2 3