{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله: { لَوَاقِحَ } ، وقرأ بعض أهل الكوفة: الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد، لأنه يقال: جاءت الريح من كل جانب، وهو مثل قوله: أرض سباسب وثوب أخلاق، وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع، وقول العلماء في وجه وصف الرياح: باللقح، وإنما هي ملقّحة لانها تلقح السحاب والشجر. فقال قوم: معناها حوامل؛ لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال: ناقة لاقحة إذا حملت الولد، ويشهد على هذا قوله:{ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [الذاريات: 41] فجعلها عقيماً إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير، فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر. قال الطرماح:
لأفنان الرياح للاقح قال منها وحائل
وقال الفراء: أراد ذات لقح. كقول العرب: رجل نابل ورامح وتامر. قال أبو عبيدة: أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث «أعوذ بالله من كل لامّة» أي ملمّة. قال النابغة:
كليني لهمَ يا أميمة ناصب
وليل أُقاسيه بطيء الكواكب
أي منصب. قال زيد بن عمر: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمّا، ثمّ يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثمّ يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثمّ يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثمّ تلا: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ }. وقال أبو بكر بن عياش: لا يقطر قطرة من السحاب إلاّ بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه: فالصبا تهيّجه، والدبور تلقحه، والجنوب تدرّه، والشمال تفرقه. ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس ". { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلنا المطر لكم سقياً، ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال: فسقيناكموه، وذلك أن العرب تقول: سقيت الرجل ماءً ولبناً وغيرهما ليشربه، إذا كان لسقيه، فإذا جعلوا له ماءً لشرب أرضه أو ماشيته قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا: أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:
وقفت على رسم لميّة ناقتي
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه
تكلمني أحجاره وملاعبه
قال المؤرخ: ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي ومالا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء. { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } يعني المطر. قال سفيان: بما نعين. { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا، نظيره قوله:{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [مريم: 40]. { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ }. ابن عبّاس: أراد بالمستقدمين: الأموات، والمستأخرين: الأحياء.