الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ }. قال ميمون بن مهران: فهذا وعيد للظالم وتعزية المظلوم { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ } يمهلهم ويؤخر عذابهم.

وقرأه العامة: بالتاء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ } ، وقرأ الحسن والسّلمي: بالنون.

{ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } أي لاتغمض من هول ماترى في ذلك اليوم قاله الفراء.

{ مُهْطِعِينَ } قال قتادة: مسرعين. سعيد بن جبير عنه: منطلقين.

عابد بن الأوزاعي وسعيد بن جبير: الإهطاع سيلان كعدو الذئب.

مجاهد: مديمي النظر.

الضحاك: شدّة النظر من غير أن يطرف، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، الكلبي: ناظرين. مقاتل: مقبلين إلى النار.

ابن زيد: المهطع الذي لا يرفع رأسه، وأصل الإهطاع في كلام العرب البدار والإسراع، يقال: أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع.

قال الشاعر:
وبمهطع سرح كأنَّ زمامَهُ   في رأسِ جذع من أراك مشذبِ
وقال آخر:
بمستهطع رسل كأن جديلَهُ   بقدوم رعن من صوام ممنع
وقال آخر:
تعبدني نمرُ بن سعد، وقد أرى   ونمر بن سعد لي معيع ومهطعُ
{ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } رافعيها.

قال القتيبي: المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه، ومنه الإقناع في الصلاة.

قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد وأصل الإقناع في كلام العرب رفع الرأس.

قال الشماخ
يباكرن العضاه بمقنعات   نواجذهن كالجدا الوقيع
يعني برؤوس مرفوعات إليها ليتناولها.

قال الراجز:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا   كأنما أبصر شيئاً أطمعا
{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } لا يرجع إليهم أبصارهم من شدة النظر فهي شاخصة { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } قال ابن عباس: خالية من كل خير.

مجاهد ومرة بن شرحبيل وابن زيد: منخرقة خربة ليس فيها خير ولا عقل، كقولك في البيت الذي ليس فيه شيء: إنما هو هواء. هذه رواية العوفي عن ابن عباس.

سعيد بن جبير: تمور في أجوافهم ليس لها مكان يستقر فيه.

قتادة: انتزعت حتى صارت في حناجرهم لا تخرج من فواههم ولا تعود إلى أمكنتها.

الأخفش: جوفاء لا عقول لها.

والعرب تسمي كلّ أجوف نخباً وهواء، ومنه أهواء وهو الخط الذي بين الأرض والسماء.

قال زهير يصف ناقه:
كان الرجل منها فوق صعل   من الظلمان جؤجؤه هواء
وقال حبان
ألا أبلغ أبا سفيان عنّى   فأنت مجوف نخب هواء
{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } وهو يوم القيامة { فَيَقُولُ } عطف على يوم يأتيهم وليس بجواب فلذلك وقع { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أشركوا { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ } أمهلنا { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } وهو الدنيا يعني أرجعنا إليها { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } فيجابون { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ } حلفتم { مِّن قَبْلُ } في دار الدنيا { مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } فيها أي لا يبعثون، وهو قولهوَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 38]، { وَسَكَنتُمْ } في الدنيا { فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعصية قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي جزاء مكرهم { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4