الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً } يعني الحرم مأموناً فيه { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ }.

{ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } ويقال جنبته أجنبه جنباً وأجنبته إجناباً بمعنى وأجنبّك وجنّبته تجنيباً.

قال الشاعر: وهو أُمية بن الأشكر الليثي:
وتنفض مهده شفقاً عليه   وتجنّبه قلا يصعي الصّعابا
والأصنام جمع صنم وهو التمثال المصور

قال الشاعر:
وهنانة كالزون يجلي ضمه   تضحك عن أشنب عذب ملثمه
وقال إبراهيم التيمي في قصصه: من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم (عليه السلام) حين يقول: { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } يعني ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حتى عبدوهن وهذا من المغلوب. نظيره قولهٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } [آل عمران: 175] أي يخوفكم بأوليائه.

{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } على ديني وملتي { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

قال السدي: معناه ومن عصاني فتاب.

مقاتل بن حيان: ومن عصاني فيما دون الشرك.

روى عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم (عليه السلام) { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

وقول عيسى (عليه السلام) { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [المائدة: 118] الآية، فرفع يداه ثم قال: اللهم أُمتي اللهم أُمتي وبكى، فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فسأله ما بك، فأتى جبرئيل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أُمتك ولا يسؤك ".

{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي } إنما أدخل: «من» للتبعيض ومجاز الآية أسكنت من ذريتي ولداً { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } وهو مكة { عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ }.

قتادة: المحرم من المسجد محرم الله فيه، والاستخفاف بحقه، فإن قيل ما وجه قول إبراهيم عند بيتك وإنما بنى إبراهيم البيت بعد ذلك بمدة، وقيل معناه عند بيتك المحرم الذي كان قبل أن يرفعه من الأرض حتى رفعته في أيام الطوفان.

وقيل عند بيتك المحرم الذي قد مضى في علملك أنه يحدث في هذا البلد.

وكانت قصة الآية على ما ذكره سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنّ أول من سعى بالصفا والمروة هاجر أُم إسماعيل، وإنّ أول ما أحدثت جّر الذيول لهي وذلك أنها لما فرت من ساره فأرخت من ذيلها ليعفى أثرها فجاء بها إبراهيم ومعها ابنها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت فوضعهما ثم رجع فأثبتته فقالت: إلى من تكلنا، فجعل لا يرد عليها شيئاً، فقالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا، فرجعت ومضى [إبراهيم] حتى إذا كان على ثنية كداء أقبل على الوادي.

السابقالتالي
2 3