الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ الۤمۤر } قال ابن عباس: معناه: أنا الله أعلم وأرى { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } يعني تلك الأخبار التي قصصناها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ } يعني وهذا القرآن الذي أُنزل { إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } هو { ٱلْحَقُّ } فاعتصم به واعمل بما فيه، فيكون محلّ الذي رفعاً على الابتداء و (الحقّ) خبره، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة، ويجوز أن يكون محلّ (الذي) خفضاً يعني تلك آيات الكتاب وآياتُ الذي أنزل إليك ثم ابتداء الحقّ يعني ذلك الحقّ كقوله: (وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ الْحَقّ) يعني ذلك الحقّ.

وقال ابن عباس: أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول: هذه آيات الكتاب يعني القرآن، ثمّ قال: وهذا القرآن الذي أُنزل إليك من ربّك هو الحقّ، قال الفرّاء: وإنْ شئت جعلت (الذي) خفضاً على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام: أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب، قال الشاعر:
أنا الملك القرم وابن الهُمام   وليث الكتيبة في المزدحم
{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال مقاتل: نزلت هذه الآية في مشركي مكّة حين قالوا: إنّ محمّداً يقول القرآن من تلقاء نفسه، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟ وقوله: { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء، يقال: عمود وعمد مثل أديم وأدم، وعمدان، وكذا مثل رسول ورسل، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد، ومثل إهاب وأُهب، قال النابغة:
وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم   يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد
واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا، وقال: رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: يعني ليس من دونها دعامة تدعهما، ولا فوقها علاقة تمسكها، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال: السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر، وقال آخرون: معناه: الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر:
إذا أُعجبتك الدهر حال من أمرىً   فدعه وأوكل حاله واللياليا
تُهين على ما كان عن صالح به   فان كان فيما لا يرى الناس آليا
معناه: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال الآخر:
ولا أراها تزال ظالمة   تحدث لي نكبة وتنكرها
معناه: آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد.

{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } علا عليه وقد مضى تفسيره، { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم، وقال ابن عباس: أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها.

السابقالتالي
2 3