الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } وذلك أنّ يعقوب لمّا بلغه خبر بنيامين تتامّ حزنه وبلغ جهده وجدّد حزنه على يوسف، فأعرض عنهم { وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ } يا حزني { عَلَى يُوسُفَ } وقال مجاهد: يا جزعاه، والأسف: شدّة الحزن والندم.

{ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ } مقاتل: لم يُبصر بهما ستّ سنين { فَهُوَ كَظِيمٌ } أي مكظوم مملوء من الحزن، ممسك عليه لا يبثّه، ومنه كظم الغيظ، عطاء الخراساني: كظيم: حزين، مجاهد: مكبود، الضحّاك: كميد، قتادة: تردّد حزنه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء، ولم يتكلّم إلاّ خيراً، ابن زيد: بلغ به الجزع حتى كان لا يكلّمهم، ابن عباس: مهموم، مقاتل: مكروب، وكلّها متقاربة.

سعيد بن جبير: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يعط أُمّة من الأمم إنّا لله وإنّا إليه راجعون عند المصيبة إلاّ أُمّة محمّد، ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه لم يسترجع: إنّما قال يا أسفى على يوسف؟ ".

وأخبرني ابن فنجويه [قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك] القطيعي قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل، [قال: حدّثني] أُبي، عن هشام [بن القاسم] عن الحسن، قال: كانت بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانين عامّاً لا تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب.

{ قَالُواْ } يعني ولد يعقوب { تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ } أي لا تزال تذكر يوسف، لا تفتر من حبّه، يقال: ما فتِئتُ أقول ذلك، وما فتأتُ أو أفتؤ، فتأً وفتوّاً، قال أوس بن حجر:
فما فتِئتْ حيّ كأن غبارها   سرادق يوم ذي رياج ترفع
وقال آخر:
فما فتئت خيل تثوب وتدّعي   ويلحق منها لاحق وتقطع
أي فما زالت.

وحذف (لا) قوله فتئ كقول امرئ القيس:
فقلتُ يمين الله أبرحُ قاعداً   ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
أي: لا أبرح.

وقال خداش بن زهير:
وأبرحُ ما أدام الله قومي   بحمد الله منتطقاً مجيداً
أي لا أبرح ومثله كثير.

{ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } اختلف ألفاظ المفسّرين فيه، فقال ابن عباس: دنفاً، العوفي: يعني الهد في المرض، مجاهد: هو ما دون الموت، يعني قريباً من الموت، قتادة: هرِماً، الضحّاك: بالياً مدبراً، ابن اسحاق: فاسداً لا عمل لك، ابن زيد: الحرض: الذي قد ردّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، الربيع بن أنس: يابس الجلد على العظم، مقاتل: مُدنفاً، الكسائي: الحرض: الفاسد الذي لا خير فيه، الأخفش: يعني ذاهباً، المُخرج: ذائباً من الهمّ، الفرّاء عن بعضهم: ضعيفاً لا حراك بك، الحسن: كالشنّ المدقوق المكسور، علام تعباً مُضنى، ابن الأنباري: هالكاً فاسداً، القتيبي: ساقطاً، وكلّها متقاربة.

ومعنى الآية: حتى يكون دنف الجسم مخبول العقل، وأصل الحرض: الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم، ومنه قول العَرجي:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7