الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } يقول: شاع أمر يوسف والمرأة في مدينة مصر وتحدّثت النساء بذلك، وقلن يعني امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب، قاله مقاتل { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } وهو في كلام العرب الملك، قال أبو داود:
درّةٌ غاصَ عليها تاجِرٌ   جُليت عند عزيز يومَ طلّ
أيّ ملك.

{ تُرَاوِدُ فَتَاهَا } عدّها الكنعاني عن نفسه.

{ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي أحبّها حتى دخل حبّه شغاف قلبها، وهو حجابه وغلافه. قال السدّي: الشغاف جلدة رقيقة على القلب يُقال لها: لسان القلب، تقول: دخل الحُبّ الجلد حتى أصاب القلب،قال النابغة الذبياني:
وقَدْ حال هَمّ دون ذلك داخلٌ   دخولَ الشِّغافِ تبتغيه الأصابعُ
وقال ابن عباس: علقها حُبّاً، الحسن: بطنها حُباً، قتادة: استبطنها حبّها إيّاه، أبو رجاء: صدقها حُبّاً، الكلبي: حجب حبّه قلبها حتى لا يعقل سواه.

وقرأ أبو رجاء العطاردي والشعبي والأعرج، شعفها بالعين غير معجمة واختلفوا في معناها فقال الفرّاء: ذهب بها كلّ مذهب، وأصله من شعف الجبال وهي رؤوسها، والنخعي والضحّاك: فتنها، وذهب بها، وأصله من شعف الدابة حين تتمرّغ بذُعر، قال امرؤ القيس:
أتقتلني وقد شعفتُ فؤادها   كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
ومراده: ذهب قلب امرأته كما ذهب الطالي بالإبل بالقطران يتلو بها، والإبل تخاف من ذلك ثمّ تستروح إليه، وقال الأخفش: من حبُّها، وقال محمد بن جرير: عمّها الحُب.

{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }: خطاً بيّن، { فَلَمَّا سَمِعَتْ } راحيل، { بِمَكْرِهِنَّ } بقولهنّ وحديثهنّ، قال قتادة والسدّي وقال ابن إسحاق: وإنّما قلنّ ذلك مكراً بها ليَرينَ يهمّن يوسف وكان قد وصِف لهُنّ حُسنه وجماله { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } قال وهب: اتخذّت مأدبة ودعت أربعين امرأة فيهنّ هؤلاء اللائي عيّرنها، { وَأَعْتَدَتْ } وأعدّت وهو أفعلت العَتاد وهو العِدَّة، قال الله تعالى:إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } [الكهف: 29].

{ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } مجلساً للطعام وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد، يُقال: ألقى له مُتّكأً أيّ ما يُتّكأ عليه، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة. وقال سعيد بن جُبير والحسن وقتادة وأبي إسحاق وابن زيد: طعاماً، قال القتبيّ: والأصل فيه أنّ من دعوته إلى مطعم عندك أعددت له وسادة أو متّكأ، فسُمّي الطعام مُتّكأ على الاستعارة، يُقال: اتّكأنا عند فلان أي أكلنا، قال عدي بن زيد:
فظللنا بنعمة واتّكأنا   وشَربنا الحلال من قُلَلِهِ
وروي عن الحسن أنّه قال: متّكاء بالتشديد والمدّ وهي غير فصيحة، وعن الحسن: فما أظنّ بصحيحة، وقرأ مجاهد مُتّكأ خفيفة غير مهموزة، وروي ذلك عن ابن عباس.

واختلفوا في معناه، فقال ابن عباس: هو الأترج، عكرمة: هو الطعام، وأبو روق عن الضحّاك: الزماوَرد، علي بن الحكم وعبيد بن حكيم، عنه: كلّ شيء يُحزّ بالسكّين فهو عند العرب المتّكأ، والمتك والبتك: القطع والعرب تُعاقب بين الباء والميم تقول سمد رأسه وسبده، وأغبطت عليه وأغمطته [لازب] ولازم قال الله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4