الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } * { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

{ تِلْكَ } الذي ذكرت { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ } يا محمد { وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } من قبل إخباري إياك { فَٱصْبِرْ } على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح { إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ } آخر الأمر بالسعادة والظفر والمغفرة { لِلْمُتَّقِينَ } كما كان لمؤمني قوم نوح وسائر الأمم.

{ وَإِلَىٰ عَادٍ } أي فأرسلنا إلى عاد { أَخَاهُمْ هُوداً } في النسب لا في الدين { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحّدوا الله وأكثروا العبادة في القرآن بمعنى التوحيد { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } ما أنتم في إشراككم معه الأوثان إلاّ كاذبون.

{ يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } على تبليغ الرسالة ولا أبتغي جعلا { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } والفطرة ابتداء الخلقة { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وذلك أن الأمم قالت للرسل: ما تريدون إلاّ أن تأخذوا أموالنا فقالت الرسل لهم هذا.

{ وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي آمنوا به يغفر لكم، والإستغفار هنا بمعنى الإيمان { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } من عبادتكم غيره وسالف ذنوبكم، وقال الفرّاء: معناه وتوبوا إليه لأن التوبة استغفار والاستغفار توبة.

{ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } متتابعاً، وقال مقاتل بن حيان وخزيمة بن كيسان: غزيراً كثيراً.

{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } شدّة مع شدّتكم، وذلك أن الله حبس عنهم القطر في سنين وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد.

{ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ } ولا تدبروا مشركين { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } بيان وبرهان على ما تقول فنقر ونسلّم لك { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي بقولك، والعرب تضع الباء موضع عن، وعن موضع الباء.

{ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } بمصدّقين { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } يعني لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسبّ آلهتنا إلاّ أن بعض آلهتنا اعتراك وأصابك بسوء، بل جنون، وهذيان، هو الذي يحملك على ما تقول وتفعل، ولا نقول فيك إلاّ هذا ولا نحمل أمرك إلاّ على هذا، فقال لهم هود: { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ } على نفسي { وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ } يعني الأوثان { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } فاحتالوا جميعاً في ضرّي ومكري أنتم وأوثانكم { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ }.

قال الضحاك: يحييها ويميتها، قال الفرّاء: مالكها والقادر عليها، قال القتيبي: يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، قال ابن جرير: إنما خصّ الناصية لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنساناً بالذلة والخضوع فيقولون: ما ناصية فلان إلاّ بيد فلان أي إنه مطيع له يصرفه كيف شاء،وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا اطلاقه والمنّ عليه جزوا (ناصيته) ليغتروا بذلك فخراً عليه،فخاطبهم بما يعرفون في كلامهم.

السابقالتالي
2