الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } * { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَقَالَ } نوح لهم: { ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } قرأ أبو رجاء العطاردي: مُجرِاها ومُرسِاها بضم الميمين وكسر الراء والسين وهي قراءة عبدالله.

قال ابن عباس: مجريها حيث تجري ومرساها حيث ترسو، أي تحسر في الماء.

وقرأ محمد بن محيصن بفتح الميمين وهما مصدران، يعني أن الله تعالى بيده جريها ورسوّها أي ثبوتها، جرى يجري جرياً ومجرى، ورسا يرسو رسوّاً ومُرسى، مثل ذهب مذهباً وضرب مضرباً. قال امرؤ القيس:
تجاوزت أحراساً وأهوال معشر   عليَّ حرامٌ لو يسرّون مقتلي
أي: قتلي.

وقرأ الباقون بضم الميمين، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، ومعناه: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، كقوله تعالىأَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } [المؤمنون:29]أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] بمعنى الإنزال والإدخال والإخراج.

{ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن يرسو قال: بسم الله، فرست، وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله، فجرت.

{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } كنعان وكان عنيداً وقيل وكان كافراً.

{ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ } عنه لم يركب معه الفلك.

{ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } فتهلك، قال له ابنه: { سَآوِيۤ } سأصير وأرجع { إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي } يمنعني { مِنَ ٱلْمَآءِ } ومنه عصام القربة الذي [يربط] رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها.

{ قَالَ } نوح { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } عذاب الله إلاّ من رحمناه، وأنقذناه منه، ومن في محل رفع، وقيل: في محل النصب ومعناه لا معصوم اليوم من أمر الله إلاّ من رحمه الله، كقوله تعالىعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21] [القارعة: 7] ومَّآءٍ دَافِقٍ } [الطارق: 6] قال الشاعر:
بطيء القيام رخيم الكلام   أمسى فؤادي به فاتنا
أي مفتوناً.

{ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ } فصار { مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ } بعدما تناهى أمر الطوفان { يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي } أي اشربي { مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي } امسكي { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } فذهب ونقص ومصدره الغيض والغيوض.

{ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي وفرغ من العذاب { وَٱسْتَوَتْ } يعني السفينة استقرّت ورست وحلّت { عَلَى ٱلْجُودِيِّ } وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل، قال مجاهد: تشامخت الجبال وتطاولت لئلاّ ينالها الماء فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعاً وتواضع الجودي وتطامن لأمر ربّه فلم يغرق، فأرسيت السفينة عليه.

{ وَقِيلَ بُعْداً } هلاكاً { لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الكافرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في أوّل يوم من رجب وفي بعض الأخبار: لعشر مضت من رجب ركب نوح في السفينة فصام هو ومن معه وجرت بهم السفينة ستة أشهر، ومرّت بالبيت فطاف به سبعاً وقد رفعه الله من الغرق، وأرسيت السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحوش والدواب فصاموا شكراً لله عزّ وجلّ ".

{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } أي الصدق { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } أي تحكم على قوم بالنجاة وعلى قوم بالهلاك.

السابقالتالي
2 3