* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } قال عطية عن ابن عباس وقتادة: أنابوا وتضرّعوا إليه، مجاهد: اطمأنّوا إلى ذكره، مقاتل: أخلصوا، الأخفش: تخشّعوا له، وقيل: تواضعوا له.
{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ } المؤمن والكافر { كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } قال الفرّاء: وإنّما لم يقل هل يستوون مثلا، لأنّ الأعمى والأصم في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف الكافر، والسميع والبصير في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف المؤمن. { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي } قرأ أهل مكة وأبو عمرو والكسائي: أني بفتح الألف ويعنون بأني، وقرأ الباقون بكسر الألف إني، قال: إني لأن في الإرسال معنى القول.
{ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } مؤلم، قال مقاتل: بعث نوح وأمره ربّه ببناء، السفينة وهو ابن ستمائة سنة وكان عمره ألفاً وخمسين عاماً ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، قال الله تعالى{ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } [العنكبوت: 14] أي فلبث فيهم داعياً { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاك } يا نوح { إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } آدمياً مثلنا { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } سفلتنا { بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } قال مجاهد وأبي المعين وحمزة أبو عمرو وبصير على معنى بادي الرأي من غير روية ولا فكرة يعني: آمنوا من غير روية.
{ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ } نوح { يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً } هدىً ومغفرة { مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } التبست واشتبهت وقرأ أهل الكوفة: فعُمّيت بضم العين وتشديد الميم،أي اشتبهت ولبّست ومعنى الكلام: عمّيت الأبصار عن الحق، وهذا كما يقال: دخل الخاتم في أصبعي، والخُفّ في رجلي وإنما يدخل الأصبع في الخاتم والرجل في الخُفّ { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } يعني البيّنة والرحمة { وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } لا تريدونها يعني لا يُقبل ذلك.
{ وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } أي على الوحي وتبليغ الرسالة كناية عن غير مذكور { إِنْ أَجْرِيَ } ما ثوابي { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } الباء صلة { إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ } بالمعاد { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ } تحتقر وتستصغر { أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً } يعني يؤخذ وانما { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ } من النية والعزم والخير والشر { إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } إنْ فعلتُ ذلك.
{ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا } ما ريتنا وخاصمتنا { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } يعني العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ } نصيحتي { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } يهلككم ويضلكم { هُوَ رَبُّكُمْ } والأمر والحكم له { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم وهو ردّ على المعتزلة و [المرجئة].