{ فَلَوْلاَ كَانَ } فهلاّ كان { مِنَ ٱلْقُرُونِ } التي أهلكناهم { مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } أصحاب دين وعقل { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } ومعناه: فلم يكن، لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناء منقطع { مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } وهم أتباع الأنبياء وأهل الحق. { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } قال ابن عباس: ما أُنظروا فيه، وروي عنه: أُبطروا. الضحّاك: اعتلّوا، مقاتل بن سليمان: أُعطوا، ابن حيان: خوّلوا، مجاهد: تجبّروا في الملك وعتوا عن أمر الله، الفرّاء: ما سوّدوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } كافرين { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } [بظلم منه لهم] { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } في أعمالهم غير مسيئين، لكنه يهلكها بكفرهم وإتيانهم السيئات، وقيل: معناه لم يكن ليهلكهم بشركهم وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ويتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين، وإنّما يهلكهم إذا ظلموا. { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ } كلّهم { أُمَّةً } جماعة { وَاحِدَةً } على ملّة واحدة { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } على أديان شتى من يهودي ونصراني ومجوسي ونحو ذلك { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } ويعني بهم المؤمنون وأهل الحق. { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن ومقاتل بن حيان ويمان وعطاء: وللاختلاف خلقهم، قال الأشهب: سألت مالكاً عن هذه الآية فقال: لقهم ليكون فريق في الجنة، وفريق في السعير، وقيل: اللام بمعنى على، أي وعلى ذلك خلقهم، كقول الرجل للرجل: أكرمتك على برّك بي ولبرّك بي، ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة: وللرحمة خلقهم ولم يقل: ولتلك، والرحمة مؤنّثة لأنها مصدر وقد مضت هذه المسألة،وهذا باب سائغ في اللغة [وهو أن يُذكر] لفظان متضادان ثم يشار إليهما بلفظ التوحيد فمن ذلك قوله تعالى{ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } [البقرة: 68] ثم قال:{ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة: 68]، وقوله{ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110] وقوله:{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58] فكذلك معنى الآية، ولذلك أي وللاختلاف والرحمة خلقهم أحسن خلق، هؤلاء لجنّته، وهؤلاء لناره. { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } قال ابن عباس: نسدد، الضحاك: نقوّي، ابن جريج: نصبّر حتى لا تجزع، أهل المعاني: ما نثبّت به قلبك. { وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ } قال الحسن وقتادة: في هذه الدنيا، وقال غيرهما: في هذه السورة، { وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَٱنْتَظِرُوۤاْ } ما يحلّ بنا من رحمة الله { إِنَّا مُنتَظِرُونَ } ما يحل بكم من النقمة. { وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: خزائن الله، الضحّاك: جميع ما غاب عن العباد، وقال الباقون: غيب نزول العذاب من السماء { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } في المعاد حتى لا يكون للخلق أمر، وقرأ نافع وحفص بضم الياء أي يُرجع { فَٱعْبُدْهُ } وحده { وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } توثّق به { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } قال كعب: خاتمة التوراة خاتمة هود والله أعلم. يعملون قراءة العامة بالياء، وقرأ أهل المدينة والشام وحفص بالتاء.